من الناحية الشكلية تبدو صحيحة الملاحظات والانتقادات الموجهة الى رئيس الوزراء حيدر العبادي لأنه أطلق مشروعه الإصلاحي على نحو مفاجئ من دون التشاور مع الشركاء السياسيين الذين يشغلون أغلبية المقاعد في مجلسي النواب والوزراء ويحتكرون كل المناصب العليا في مؤسسات الدولة.. لكن هل الأمر هو كذلك من الناحية الموضوعية؟
الإصلاح السياسي والإداري والمالي مطلب شعبي ملحّ، كما تعكس حركة المظاهرات الاحتجاجية المتواصلة والمتصاعدة وتيرتها أسبوعاً بعد آخر. وهو مطلب قديم، وكان من المفترض أن يبدأ الإصلاح منذ مطلع العام 2011، بحسب ما وعدت به الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي التي تعهدت، بعد انطلاق مظاهرات 25 شباط من ذلك العام، بتنفيذ برنامج إصلاحي، وهو تعهد لم تفِ تلك الحكومة بحرف واحد منه، بل إنها عمدت إلى القمع السافر للقضاء على الحركة المطالبة بالإصلاح، وأفسحت في المجال للمزيد من الفساد السياسي والإداري والمالي ومن انتهاك الحقوق والحريات العامة والتجاوز على أحكام الدستور، ما أسفر في نهاية المطاف عن تدهور الأحوال المعيشية وتردي الخدمات العامة الرئيسة وتفاقم الإرهاب الذي نجح في السيطرة على مدن مهمة ونحو ثلث مساحة البلاد... هذا كله وغيره هو ما شكّل خلفية الحركة الاحتجاجية الحالية المتفاقمة.
الحكومة السابقة التي تتحمل المسؤولية عما آلت إليها أوضاع البلاد راهناً، كانت، كما الحكومة الحالية، تتألف من ممثلي الأحزاب والقوى نفسها المتنفذة في العملية السياسية منذ العام 2003، وبالتالي فهي مجتمعةً مسؤولة عن عدم الاستجابة لمطالب الإصلاح، والسبب لا يعود فقط إلى أن رئيس الحكومة السابقة كان مناهضاً للإصلاح، وإنما تلك القوى بمجموعها كان لديها الموقف نفسه لأن الإصلاح كان يعني إبطال العمل بنظام المحاصصة غير الدستوري الذي توافقت عليه تلك القوى واحتكرت بموجبه السلطة بكل مناصبها وامتيازاتها ومغانمها، وبالضرورة فسادها وفشلها.
هل كان العبادي، لو تشاور مع الشركاء السياسيين، سيستطيع التجاوب الفوري مع مطالب الناس الذين نزلوا إلى الساحات والشوارع، وأن يحوّل الإصلاح أخيراً إلى حقيقة واقعة؟.. بالتأكيد لا، ذلك أن الأحزاب والقوى المتنفذة في الحكومة ومجلس النواب كانت ستدخل في التفاصيل - وفي التفاصيل يكمن الشيطان - وكانت ستختلف اختلافاً كبيراً عليها، وكانت ستترك رئيس الحكومة غير قادر على اتخاذ أي قرار، لأن رضا هذه الأحزاب والقوى غاية لا تُدرك ولو بعد قرن من الزمن، وليس أدلّ على هذا من حقيقة أن عدم الرضا هذا هو ما عطّل تشريع القوانين الأساس على مدى دورات برلمانية عدة متعاقبة.
صحيح أن التفرد بالسلطة أمر يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، لكن أينها الديمقراطية أصلاً؟
الأرجح أن الإصلاح ما كان سيبدأ ولا كان سيتحقق لو أن العبادي دخل في نفق الاستشارات. لذا ربما كان أفضل ما فعله العبادي أنه اتّبع قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، فلم يستشر سلفاً القوى المتنفذة في السلطة في أمر الإصلاح، مكتفياً بعرض الأمر على مجلس الوزراء الذي يتشكّل من ممثلي كل القوى المعترضة، قبل أن يرفعه إلى مجلس النواب الذي يتألف بدوره من ممثلي هذه القوى التي لم نلحظ لها اعتراضاً على برنامج العبادي الإصلاحي وأسلوب إعداده وتقديمه، لا في الحكومة ولا في البرلمان، بل إنها أعلنت مواقف مؤيدة بالإجماع لما أقدم عليه العبادي.
الضرورات تبيح للعبادي المحظورات
[post-views]
نشر في: 21 أغسطس, 2015: 09:01 م