وارد بدر السالمأكثر ما يؤلم في الحياة هو مجانية الدم وهامشية الإنسان في فوضى القتل وزرع الخوف واستهدافه الكارثي وحصاره اليومي وإغلاق منافذ الحياة عليه طوعاً أو قسراً ؛ وأكثر ما يؤلم أيضاً أن الحقائق يمكن لها أن تضيع في سجلات التدليس القضائي المتأثر بالكذاب السياسي الخارجي والمنافق المحلي .
وهذه حالات يمكن لنا أن نفهمها حينما نطالع الأثر الأجنبي في ساحات الإنسانية حيثما كانت ونفتح ذاكرتها ونقرأ ما تركته لنا في سنواتها السود لما كان الآخر - الخارجي يبسط نفوذه الفعلي عليها ؛ ولنا في الشعوب المقهورة ما يكفي من شواهد مأساوية ، كي نكون على بيّنة من أن السوط الخارجي يلسع الظهور والأكتاف ، وأن لسان السياسي مهما طال لن يكون فصيحاً في الأحوال كلها. ومناسبة هذا التقديم عامة ، ليس من ورائها سوى تشخيص ما يتركه الأثر الآخر على المحلي المنصاع له ، لكن لها خصوصية الإحالة والنظر في موضوعة قتلة من شركة بلاك ووتر الذين برأتهم محكمة أمريكية بعد ان قتلوا 17 عراقياً أعزلَ وجرحوا أكثر من عشرين آخرين في ساحة النسور عام 2007 وكانت هذه (البراءة) مثار نقمة شعبية اعتصرت القلوب وأذكت مشاعل الغضب في النفوس العراقية ، بينما وجدت في تصريحات السياسيين ما ليس لنا أن نقوله سوى ما قالوه هم في هذه المناسبة ؛ فالحكومة العراقية يؤازرها (معظم) أعضاء مجلس النواب بدأت بالإجراءات القضائية لمقاضاة خمسة من حراس شركة بلاك ووتر الأمنية (هكذا) بعدما وجد أفراد هذه العصابة وشقاوتها الطريق سالكاً الى البراءة ، ووجدوا أن محامي الدفاع في قضيتهم يصفهم في المحكمة بأنهم ( شجعان) و (ليست هناك سحابة ظالمة تطل عليهم) وهذا ما يزيد من كمية الألم في نفوس العراقيين. حينما يوصف هؤلاء المرتزقة بأنهم شجعان وهم يقتلون رجالاً ونساء عزلاً في نهار عراقي اصطبغ بالدم.! وبالقدر الذي لن تكون فيه معجزة لإحياء الموتى وإعادتهم الى الحياة ؛ فإنّ تجريم هؤلاء الأشقياء من قبل محكمة عراقية أو تأثير عراقي لاحق سيكون بنفس الدرجة الإعجازية وبدرجة المستحيل؛ ولو كان هناك قرار مستقل لما تمكن هؤلاء من الإفلات من القضاء العراقي، والذهاب الى قضاء أمريكي منحاز بدعوى الدفاع عن أنفسهم وهم يواجهون عراقيين سلكوا ساحة النسور لأسبابهم اليومية. السياسي المرحلي الذي وجد نفسه في خضم بحر من المتناقضات والتقاطعات والمصالح المشتبكة في أجندة مختلفة، ليس أقلها وجود الآخر والمشرعن تحت بنود دولية فضفاضة، اثبت واقع الحال أننا أُدخلنا في نفق طويل لا مفر من الاعتراف أنه نفق استولد ؛ مع اشياء كثيرة ؛ شركات الحماية الأمنية ومنها بلاك ووتر سيئة السمعة. مدعي الدفاع الذي وصف هذه الشلة القاتلة بأنهم (شجعان) كان ينطلق من رؤية سياسية متحيزة قبل أن تكون لديه رؤية قضائية ، بل كانت المحكمة بأركانها مجتمعة هي محكمة فيها بُعدٌ سياسي قبل أن يكون قضائياً ، إذ لم يثبت أن (القتلى) العراقيين السبعة عشر هاجموا عصابة بلاك ووتر أو زرعوا عبوات ناسفة في طريقهم أو ابدوا فعلاً (جرامياً) بحقهم. كما أن المحكمة التي برأت قتلةً بوضح النهار، أغفلت كل جانب انساني واجتماعي وهي تضرب عرض الحائط حقوق الإنسان التي تتشدق بها ، تقابلها الحكومة العراقية التي لم تستنهض قواها الدفاعية والقضائية في مداخلات المحكمة ولم تكلف نفسها عناء إرسال وفد قانوني محكّم كان من شأنه أن يقدم وجهة النظر العراقية، وهي صاحبة الأمر والمعنية بها قبل غيرها ؛ لكنها لم تنظر هي الأخرى الى قيم الإنسان العراقي الذي تستباح إنسانيته علناً في نهارات العراق الدموية ومساءاته المظلمة..
فــــارزة: شقاوات بلاك ووتر..
نشر في: 4 يناير, 2010: 07:53 م