لعلي من اكثر الكتاب والمعلقين، ايمانا بوجود عقلاء واشخاص جيدين في الاحزاب الحاكمة. ودائما اتضرع "للالهة العراقية القديمة"، ان ترجح كفة الجناح العاقل على المجنون، في كل حزب. ولهذا فقد تحملت طوال سنوات، سيل الشتائم من المواطنين الغاضبين. لكن لدي اليوم اسئلة وملاحظات، على اصدقائنا الحزبيين ان يفكروا في مضامينها، وفي اسباب طرحها الان.
لننتبه اولا انكم كاحزاب، تركتم الشعب يعيش بين اليأس والازبال ١٢ عاما، وها انتم تطلبون منه الان ان يخرج في مظاهرات مهذبة جدا ورقيقة وربما رومانسية! هل تلاحظون المفارقة؟
وقد كتبنا وتحدثنا عن ضرورة ضبط شعارات الاحتجاج، ورفض الفوضوية، والدفاع عن الدستور. لكن علينا ان نتساءل في الوقت نفسه: هل يمكن لشعب عاش بلا مجاري ولا امن ولا كهرباء، وبين جبال الازبال، ان يجد الدافع النفسي لتنظيم وتهذيب عباراته وشعاراته؟
لننتبه ثانية. الزعماء وضعوا كثيرا من الاشخاص الضعفاء وناقصي الخبرة ممن "ما يملون العين" في مناصب مهمة، وملأوا بهم البرلمان، وقد كان الزعماء في لحظة تعيين هؤلاء، يستهزئون بالشعب، ويعتقدون ان هذا هو "مستوى الشعب". وهؤلاء الذين جاءت بهم الاحزاب، من مسؤولين ونواب ناقصي الخبرة، ظلوا يظهرون على الشاشات ١٢ عاما، يقولون كلاما مليئا بالحماقة ونقص اللياقات. وبهذه الطريقة جرى "افساد ذوق الشعب"، او جزء مهم من الشعب. والان تريدون من الشعب ان يصبح في مظاهراته، مهذبا وهادئا جدا، بينما كانت وجوه الاحزاب في احيان كثيرة طوال ١٢ عاما، غير مهذبة ولا محترمة ولا تتمتع بأي رقة!
ان هذا من قبيل انهيار جيشنا. لقد بقي الجيش يعيش في ظروف لا انسانية وبقيادة فاسدة، ثم جئنا نتعجب لانه تفكك في الحرب! كنا نطلب من الجيش ان يبقى متماسكا صامدا، بينما الساسة والجمهور، منقسمون يشتم بعضهم بعضا، وكيف لاحزاب منقسمة بنحو رديء، ان تمتلك جيشا مهنيا متماسكا؟
ان لدينا جميعا، مخاوف من حصول اخطاء مكلفة بسبب التظاهرات او خلالها. لكن المرجعية الدينية العليا كانت تبدي احتراما شديدا للجمهور رغم كل مخاوفها ومخاوفنا. وكذلك فعل بعض الساسة العقلاء. لكن بعض الساسة المجانين ومعهم بعض الساسة "العقلاء"، تحدثوا بطريقة تسيء حقا الى الجمهور، وتهرب من مأزقها الى محاولة تصوير المحتجين وكانهم ضد الدين!
ان التعجرف الاضافي صار ممنوعا، والامر لا يتعلق بالدين. وهذا امر يجب ان تدركه احزابنا الحاكمة، خصوصا من النجف الى البصرة. وحتى الصبيان يعرفون انه لا توجد مؤامرة على الدين، اكبر من مؤامرة الاصرار على ان نقوم بتعيين بعض الحمقى في مسؤوليات كبرى احيانا، باسم اللافتات والعناوين الدينية.
لقد كان لديكم وقت طويل لتتخبطوا وتخطئوا وتتعلموا من الاخطاء. وكان كثيرون منا يشجعونكم على التصحيح ويساعدونكم على اقالة العثرات. وكان الشعب صابرا وينتظر. اما الان فالخطأ والغرور ممنوعان، والاساليب العتيقة في رد الفعل، ممنوعة ايضا.
هناك حقيقة كبيرة. لابد لكل حزب ان يجهز "كبش فدائه". اولا: ليقدم اثباتا عمليا بانه مع اصلاح الامور. وثانيا: ليخفف احتقان الشارع الغاضب جدا. وهذا غضب لن يهدأ بسهولة مهما تحدثنا بعقلانية.
ان ادارة ملف المظاهرات يحتاج من الاحزاب حكمة قصوى. واستعدادا كبيرا للتنازل. وتحكما في الالفاظ والعبارات. واستعدادا للتخلي عن الرموز ناقصة الخبرة او الرموز التي لم تحظ بحب الناس. لقد ذهب زمن الخطابات الفصيحة، وجاء زمن المبادرات السريعة.
ان شروط وظروف الثورة الناضجة غير متاحة. هذا ما اؤمن به. وهناك الف مخرب يريد استغلال الغضب. انا اؤمن بهذا ايضا. لكن الغضب الشعبي مفيد بشكل مؤثر، لتيار الحكمة والتعقل لو اراد ان يستفيد.
انها دورة تاريخ عسير تكاد تتوقف في محطة صراحة عارية وبلا رتوش.
الى اصدقائنا الحزبيين
[post-views]
نشر في: 22 أغسطس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
قيران المزوري
من الاسباب الموضوعية لتخلف الشعب في الاونة الاخيرة هو حرمانه من المحاضرات القيمة ودرر الكلام والبلاغة للاستاذ نعيم عبعوب .. فمن أهم واجبات المتظاهرين هو الدعوة والمطالبة بعودة العبعوب الى أدواره الريادية في التثقيف والتوجيه والتعليم والتوعية ....