TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن الحروب الأهلية وتوابعها

عن الحروب الأهلية وتوابعها

نشر في: 25 أغسطس, 2015: 09:01 م

2-5
في عمود الأسبوع الماضي تحدثت عن الملحمة الجرمانية "نشيد نيبلونغن"، هذه المرة أعرج على الثيمات التي حوتها وكم هي معاصرة لنا حتى اليوم:
أولاً- الحروب الأهلية: دائماً هناك هجوم، حركة من مكان إلى آخر، وعندما ينتهي القتال بين مجموعتين يجري الحديث عن ضرورة الرضى بالخسائر، لأن من غير المهم عدد الذين يعودون من القتال أحياء، يتحدث قادة كل مجموعة عن الانتصار، لأنه لقن العدو درساً لن ينساه، أو ألحق به الأضرار البليغة. إقرأوا بيانات الجماعات أو الدول المتقاتلة ضد بعضها، ستجدون اللغة ذاتها.
ثانياً- الغنيمة، الطمع، علاقات التملك: الحروب تجري بسبب الغنيمة، لكن إذا استدعت الحال، يتقاسم الملوك الغنيمة عن طريق التناسب بينهم، كأن يتزوج أحدهم من عائلة الآخر، في الملحمة يتزوج الفارس سيفريت، إبن الملك سغمونت والملكة سيغلينت، القادم من الأراضي السفلى من مدينة كسانتن الواقعة على نهر راين، من كريمهيلت أخت الملوك الثلاثة الذين حموا بورغوند، غونتر وغرنونت وكيزلهر، اليوم، لم تختلف تلك العادات إلا في حالات استثنائية.
ثالثاً- القبلية والعصبية، لنقرأ الملحمة: أكثر من ثمانية قرون مرت على الملحمة، ما الذي تغير؟ اليوم يُقتل ويُشرد، يُغتصب ويُعذب، يُسجن ويُطرد الملايين لأنهم ينتمون لهذه الجماعة أو تلك، العنف والقتل، الثأر والتطهير العرقي، عناوين اعتدنا على سماعها في نشرات الأخبار كل صباح، أما الأحكام المسبقة، فلا ينجو منها حتى أولئك الذين نجوا بجلدهم، ما زال السؤال الأول الذي يواجهني فيه كعراقي: هل أنت سنّي أم شيعي، وينسى أو يجهل السائل أن هناك في العراق مسيحيين وصابئة مندائيين ويزيديين وبهائيين وشبك ويهود .... وملحدين، تعريف الإنسان على اساس الجماعة التي وُلد في دائرتها دون خيار منه، والتعامل معه على هذه الخلفية، أو وضعه في دائرة ضيقة، هو أكثر المهانات التي يتعرض لها الإنسان اليوم.
رابعاً- العنف، النهب، القتل، الموت: سيفريت يأتي مع مقاتليه إلى أراضي بورغوند ويريد ان يسلبهم أراضيهم وكل شيء، ظناً منه أنه بهذه الطريقة سيستحوذ على المرأة التي يحب أيضاً. السلطة التي يملكها كإبن ملك تبيح له الاستحواذ على شيء، هذا ما يؤمن به. واليوم؟ بل وعلى مر زماننا؟ ماذا فعل ويفعل الغزاة في كل مكان؟ البغدادي الخليفة الجديد، يدخل سنجار، يصادر أملاك الناس ويسبي نساءهم. لكن ماذا عن جيوش "الحداثة" الأميركية والأوروبية؟ وأعني بالجيوش الإثنين، تلك التي تلبس البسطال، وتلك التي تأتي على شكل رأسمال وشركات وصفقات سلاح؟ هل بقي شيء في قارة أفريقيا ولم يتم نهبه حتى الآن؟ هل نحصي اسماء المعادن وكنوز الأرض الغنية هناك، من يورانيوم وألماس وجواهر ونفط وغاز؟ والسكان؟ ماذا تبقى لهم غير المجاعة والموت، أو الهجرة باتجاه الشمال؟
خامساً- الرشوة: كل المقاتلين لا يستبسلون في القتال إلا لأنهم حصلوا على رشوتهم، ومن يتردد بالقتال، سيغير رأيه بعد الرشوة. عشرات المقاتلين في مملكة الهُون خاصة من جماعة المشردين الذين لم تكن عندهم مصلحة بالقتال لقوا حتفهم بعد رشوة كريمهيلت لهم. واليوم؟ الجيوش النظامية تحل نفسها، وبدل الجنود يقاتل المرتزقة على الجبهات. 500 دولار راتب المرتزق في جيش البغدادي، عدا ما يحصل عليه من غنائم وسبي نساء، شباب عاطلون عن العمل في كل مكان يسيل لعابهم لمرأى الدولار.
سادساً- الهاربون، المنفيون، المختطفون، المشردون: برونهليت تعيش كسجينة غنيمة عند غونتر في بلاد غريبة، بالضبط مثل كريمهيلت، التي عليها بعد قتل حبيبها سيفريت الزواج من جديد من الملك أتزيل، في البلاد المكروهة من قبلها، بلاد الهُون الكافرة، حيث تحضر خططها لأخذ الثأر.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram