اليوم سأرفع دعوى قضائية إلى الله ضد حكومة البصرة المحلية لأنها تسببت بهلاك مئة وخمسين فسيلة خستاوي، كان اقتلعها العام الماضي صديقي الشاعر عمار المسعودي من بستانه العامر بكربلاء. وغرستها ببستاني في البصرة فماتت بسبب الماء المالح. اليوم انصب مناحة ومأتماً لمئة وخمسين فسيلةً وأكثر ذلك لأني اشتريت أقل من نصف العدد هذا من تجار يبيعون الفسائل في الهارثة وأبي الخصيب ومثل ذلك اشتريت من هنا وهناك شتلات ليمون وعنب وتوت وها هي تذبل وتذوي وتموت امامي، وبين يدي فلا أملك لها حيلة. فالماء يجتاح الانهار منذ اكثر من شهرين. في صيف البصرة القاتل هذا تحول الماء الذي كنت أسقيها منه إلى ملح أجاج. أنا مفجوع والله، فقد تسببت الحكومة بهلاك ما أملك، قاتلها الله، لم تفعل شيئاً لي، لفسائلي ولأشجاري. لا أتحدث عن ما أصيب به عيالي منه.
قلت سأرفع دعواي إلى الله ذلك لأني لا أثق بالقضاء فهو من أمر رئيس الوزراء السابق، ولن أدخل المرجعية في الأمر لأنها عاجزة عن ردع الرئيس والقضاء والمحافظ ورئيس المجلس وعضو اللجنة الزراعية ودائرة الري. أنا أعزل وغير محمي من أحد، مثل الشباب الذين اعتصموا امام مبنى المحافظة وتخلت عنهم القوات الأمنية، تخلى عنهم قائد الشرطة بالسيف وحفنة النجوم على كتفه وقائد العمليات ورئيس اللجنة الأمنية، وصاروا مكشوفي الصدور والقلوب امام من هدَّ عليهم خيمتهم، ثم تولاهم بالويل والثبور، إن اعادوا نصبها. أنا كذلك، سأشكو امري إلى الله، فانا ومنذ العام 2009 أغرس المئات من الفسائل والاشجار وأفرح بها كلما رأيت سعفة، ورقة خضراء جديدة تفلتت من الجذع الصغير الهامد، أفرح بها كلما حط طائر عليها ودنت ندية من الارض، التي ظلت تحنو وتحنو. ماذا أنا فاعل بلجنة تثمين لما هلك من أشجار وفسائل ظلت تبعث بها دائرة الزراعة بعد كل اجتياح. أنا لا أريد تعويضاً، أريد حياتي التي راحت تذبل وتذوي وتموت مع ما ذبل وذوى ومات من كائناتي تلك.
يطلب مني سائق صهريج الماء الـ R.O مبلغ خمسة عشر ألف دينار عن كل طن من الماء، وافقت، وصب لي في حوضٍ صغير ثلاثة أطنان ورحت أسقى الفسائل والاشجار بالجردل، أصب الجردل وأحسب الدنانير مع كل قطرة تتسرب في الارض العطشى. مضى الاسبوع الأول وانقضى الشهر وأنا عاجر عن تأمين الماء الـ R.O للبيت تارة وللأشجار تارة أخرى. هذه الفسائل تربكني فتركتها، تقول زوجتي :الناس تشتري قناني الماء لتشرب ونحن نشتري الاطنان من الماء لنسقي ما تزرع، ثم إذا يئست وعجزت تركتها لتموت. وأنا بين هذه وتلك، أهرع كل يوم إلى النهر، أكرع ما تيسر من ملحه علني اجد فيه نقصاناً، أما وقد مضى على الحال هذه الاسابيع فسيكون عليَّ أن أجدد دعواي وشكواي إلى من بيده ملكوت كل شيء ، وهو على كل شيء قدير، كما يقول في كتابه. هل بدأت أنحرف بإيماني. انا لا أشك في ذلك.
صباح كل يوم أبدأ بغسل وجهي باصقاً، نعم، أنا أبصق على الحكومة كلما تمضمضت. أبصق عليها لأني لا أستطيع بلع الماء المالح الذي تزيد نسبة ملوحته كل ساعة وكل يوم، أتصل بموظف في دائرة زراعة السيبة ليعلمني بنسبة الملوحة المرتفعة. هو يقول بان الماء لم يعد يصلح حتى لغسل أسافل الحمامات. فأتذكر كلمة رئيس الوزراء الذي قال بان ماء البصرة لا يصلح للغسل. الكلمة هذه سمعها البصريون من فم الإمام علي قبل أكثر من 1400 سنة : ".... دينكم نفاق وماؤكم زعاق..". ثم تعاقب الخلفاء والولاة والسلاطين والمتسلمون والمتصرفون والمحافظون منذ التاريخ ذاك إلى اليوم هذا، لكن أحدا منهم لم يفلح في تخليص الارض المسكينة هذه بأناسها الطيبين الفقراء من نقمة مائها المالح، هذا الزائر السنوي الغريب !! ترى إلى أي إلهٍ سماوي أو أرضي المشتكى؟؟
هلاك مئة وخمسين فسيلةً
[post-views]
نشر في: 25 أغسطس, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...