استطاعت هوليوود ومنذ أربعينات القرن الماضي وحتى أواخر الخمسينات إشاعة أفلام ما يطلق عليها " نوار " وهو مصطلح سينمائي يستخدم للتعبير عن أفلام الجريمة والدراما الهوليودية خصوصاً تلك التي ترتكز بمحتواها على التصرفات المفعمة بالتهكم والتشاؤم
استطاعت هوليوود ومنذ أربعينات القرن الماضي وحتى أواخر الخمسينات إشاعة أفلام ما يطلق عليها " نوار " وهو مصطلح سينمائي يستخدم للتعبير عن أفلام الجريمة والدراما الهوليودية خصوصاً تلك التي ترتكز بمحتواها على التصرفات المفعمة بالتهكم والتشاؤم والدوافع الجنسية لازمها في تلك الفترة تحديداً أسلوب بصري قائم على التصوير القاتم بالأبيض والأسود حيث يعود بجذوره إلى التصوير السينمائي الخاص بالموجة التعبيرية الألمانية
ويلاحظ أن الكثير من قصص أفلام النوار الأولى وسلوكياتها استمدت روحها من مدرسة قصص الجريمة المعروفة باسم hardboiled وهي قصص بوليسية تمزج بين العنف والجريمة والجنس بأسلوب قاسٍ وجاد وعرفت هذه القصص بنور الشمس في الولايات المتحدة خلال فترة الكساد الاقتصادي ، وخلال هذه المرحلة من " النوار " برز العديد من نجمات ونجوم هوليوود كان من بينهم كولين غراي التي توفيت في الثالث من هذا الشهر عن عمر ناهز 92 عاما في منزلها في حي بيل اير في لوس انجليس كانت تلقب بظبية العينين لجمالهما ، كما اعتبرت وقتها رمزا للجنس ، والنجم الوسيم تايرون باور الذي شاركها فيلم Nightmare Alley أو " كابوس زقاق " عام 1947 وهو من النجوم الذين يتمتعون بكاريزما أخاذة وحضور تمثيلي رائع .
كانت غراي قد نشأت وترعرعت في مزارع الذرة ومنتجات الألبان في الغرب الأوسط الأمريكي حيث لفتت إليها أنظار المخرجين حينما كانوا يصورون أفلامهم هناك بسحر عينيها وجمالها الأخاذ وأناقتها ، رشحت بعدها لأدوار مسرحية نالت الإعجاب عليها ثم انتقلت للسينما منذ العام 1940 وحتى 1950 حيث اضطلعت بأدوار الجريمة خاصة في فيلم " قبلة الموت " 1947 و " كابوس زقاق " 1947 و " مقتل" 1956 ما جعل جمهور السينما يلقبها بالسيدة القاسية ، تناولها الناقد السينمائي إدي مولر في كتابه المهم عن أفلام النوار هذه ودورها المميز في فيلم " مدينة النوم " 1950 وهو الأكثر شيوعا بينها حيث أدت دورها فيه باقتدار حينها أصبح اسمها السيدة القاسية اسما مألوفا لأنه بات يوحي بالسادية والقوة والبراءة بنفس الوقت وربما الحب والعاطفة الملتهبة كما في فيلم " قبلة الموت " أمام فيكتور ماتيور ، أو تايرون باور في " كابوس زقاق " وهي أدوار يتذكرها جيدا جمهور الأمس .
كان صعود السيدة غراي مفاجأة لجميع من عرفها ، فقد تخرجت عام 1943 من جامعة هاملين في ولاية مينيسوتا وقد عرفت حينها بحبها للمسرح ومشاركة جامعتها العديد من المسرحيات التي كانت تقدم فيها وبسرعة قفزت لتفوز بعقد لمدة سبع سنوات مع شركة فوكس للقرن العشرين وهي من أشهر الشركات السينمائية في هوليوود ، وبعد أربع سنوات من عملها هناك قدمت فيها أفلاما استعراضية إلا أن تجربتها الحقيقية مع السينما بدأت مع فيلم " قبلة الموت " أمام فكتور ماتيور و ريتشارد ويدمارك في أول ظهور له حيث سرق الأضواء من نجوم الفيلم الأساسيين وحصل على ترشيح لجائزة الأوسكار ،أما فيلمها " زقاق كابوس" فقد حاز على اهتمام واسع من قبل الجمهور بسبب حواره المحبوك بقوة وتصويره للصورة القاتمة التي يظهر فيها الانتهازي والجزاء الذي يستحقه في النهاية ، الناقد السينمائي الفيس ميتشل كتب في صحيفة نيويورك تايمز عام 2000 مقالة طويلة عن الموهبة التمثيلية للسيدة القاسية التي وازنت بين البخل والضمير في أخريات أفلامها وكأنها تقول لجمهورها : أرفعوا عني ذلك اللقب القاسي الذي أطلقتموه عليّ وانظروا كيف أضاءت أدواري الأخيرة تلك العتمة التي عاشت معي سنوات عديدة .
قامت غراي بمجموعة متنوعة أخرى من أفلامها التي أكدت موهبتها التمثيلية حيث وقفت أمام عملاق هوليوود جون واين في "النهر الأحمر" 1948، ومع بنج كروسبي في " ركوب الخيل العليا " 1950، ولعبت دور ممرضة تستسلم لتهريب المخدرات في "المدينة النائمة " 1950 مقابل ريتشارد كونتي ، وبدخول غراي الربع الأول من منتصف الخمسينات بدأ نجمها في الأفول بعد فسخ عقدها مع شركة فوكس للقرن العشرين وأمضت السنوات القليلة بعدها بتقديم بعض الأعمال الدرامية مثل " كانساس سيتي سري " 1952 و " المضطجع في لاس فيغاس " 1955 و" السهم في الغبار" 1945 و " السوط الأسود " 1956 ، وكان فيلمها
الأخير " مقتل " 1956 من إخراج ستانلي كوبريك في أول ظهور له حيث قدم دراما سينمائية ناجحة تدور أحداثها على سرقة مضمار السباق المخطط لها بدقة ، لكن غراي اعترفت وقد أوغرورقت عيناها بالدموع : " أشعر أني لست في وضع جيد بعد ظهوري في هذا الفيلم فقد زال جمالي وذكائي فلا تتركوني من فضلكم وحيدة بعد الآن " ، لكنها تحولت بعدئذ ضيفا على المسلسلات التلفزيونية مثل " بيري ماسون " و " ماكلاود " و" أيام من حياتنا " ، كما تحدثت بصراحة عن بعض الأدوار التي اعتبرتها من أكثر الأدوار سخافة في حياتها الفنية مثل فيلم "علقة امرأة " 1960، وهو فيلم يصور حالة الرعب التي تجتاح المرأة حينما تمر بمرحلة الشيخوخة فيعمد زوجها وهو عالم بيولوجي في محاولة لامتصاص السوائل من أدمغة الرجال لاستعادة مظهرها الشاب .
ولدت كولين غراي برنيس جنسن في Staplehurst، نبراسكا، في 23 أكتوبر / تشرين الأول 1922وقضت معظم طفولتها في هاتشينسون ، مينيسوتا، حيث عاشتها كئيبة ومعزولة وعندما كبرت وعملت في إحدى المزارع لفتت إليها أنظار بعض المخرجين ما أثار طموحها لتحقيق شهرتها في التمثيل في السينما ، كان زواجها الأول من Amateau انتهى بالطلاق وتوفي زوجها الثاني وليام سي Bidlack في عام 1978 بعد أكثر من 25 عاما من زواجهما ، ثم تزوجت من جوزيف فريتز Zeiser والذي توفي عام 2012 .
عن: صحيفة واشنطن بوست