TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > السيرة

السيرة

نشر في: 26 أغسطس, 2015: 09:01 م

غالبا ما تكون السيرة شاملة ، إذ تكون لديك حياة ،أفكار ، جوهر شخصية ، كلها في مكان واحد . وحياة فرد تكشف عن حقائق كونية عن الحالة الإنسانية . فالسيرة تنقص من إسطورة الشخصية ، فتجعلك تراها على مستوى إنساني أكثر ، في ضعفها وأخطائها .
تتيح لك السيرة الوقوف على أكتاف العمالقة . في سبعينات القرن السابع عشر كتب ايزاك نيوتن في رسالة الى صديق له : (( لئن كنت أرى أبعد ، فذلك لأني أقف على أكتاف العمالقة )) . فالسيرة توفر لك الرؤية الأبعد بفضل ما أنجزه هؤلاء الناس . لا يمكن إنكار أن ليس كل سيرة حياة تدور حول (( عملاق )) ، لكن أغلبها كذلك . حتى لو كان الشخص محل السيرة جديرا بالإزدراء ولا يستحق الإعجاب والمديح ، فلا يزال هناك العديد من الدروس التي يمكن إستخلاصها من سيرته .
إنها تحفز على اكتشاف الذات ، وستكتشف أفكارا ومقاربات في حياتك الخاصة عبْر قصص وتجارب الآخرين . منها نتعلم اكثر حول مواقف الناس ، للبحث عن الإلهام من سلوكهم في المحنة . وتتيح لك رؤية العالم بطرق جديدة ، تختلف عن الطريقة التي تنظر بها الى الأشياء ، فالتعرّف على شخصية ما من عصر مختلف ، خلفية مختلفة أو موقع مختلف لتجارب الحياة ، سوف يمنحك نظرة جديدة .
انها البحث عن المثال ، أو حسب تعبير تاركوفسكي (( التوق الى المثال )) ، فكل فرد يجرّب عملية معرفة الذات ، ويستفيد من خلاصة المعرفة الإنسانية ، وكل فرد يرهقه التوق الى التوحد مع المثال . واستحالة تحقيق ذلك التوحد ، كما يقول ، وعدم كفاية " أناه " الخاصة هو المصدر الدائم لشعور الإنسان بالألم وعدم الإشباع .
ذلك ما تقوم عليه نظرية العالم النفسي الفرد ادلر عن " الشعور بالنقص " ، والتوق الى " التفوّق " ، التي يقول إنهما القوة الدافعة في حياة الإنسان ، والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجود الناس الآخرين حوله والذين يملكون قدرة احسن منه للعناية بأنفسهم والتكيّف مع بيئتهم .
السيرة هي تاريخ ، والتاريخ ، كما يقول منظر السينما كريستيان ميتز ، هو خطاب مقنّع ، يطمس إشارات إيضاحه ويتنكر بشكل قصة . وفي السينما ، يدعو هذا الى استجابة تلصصية ، بدلا من أن يواجه نظراتنا مباشرة . وهذا ، أيضا ، يتيح لنا لا النظر فقط بل المشاركة والحضور . بهدذه الطريقة يطرح ميتز فكرة " ايدلوجية " : الأفلام والمشاهدون يتقاسمون ايديولوجية مشتركة ؛ هذا التقاسم يدعم أساس السينما ، وهي ايدلوجية تحدد بنية فكرة المشاهدة ، شيء يبقينا على مقربة من وضع أناني لا يمكن تبريره ، تلصصي إنما سارّ .
في الأفلام التي تتناول سير الشخصيات التاريخية ، تكون عظمة البطل مشيئة ، حسب تعبير الناقد الفرنسي اندريه بازان ، بمعنى إنها ذات صلة بكشف التاريخ . ويرى ان المنظور المادي الديالكتيكي يدافع عن البعد الإنساني في البطل ، بخلاف المثال الرأسمالي المجسّد بأفضل صورة بإسطورة "النجم" التي تجسّدها أفلام السيرة الأخيرة ، منها فلم كلينت ايستوود " جي أدغار " ، حيث تظهر فيه هذه الشخصية التي أثرت في تاريخ الولايات المتحدة على مدى أربعة عقود بصورة " النجم " . فالفلم ، مثلا ، لم يتطرق بشكل كاف الى الميول الجنسية المثلية لهوفر ، كما لم يوح بأن إمبراطوريته المجسّية كانت أمارة على الكبت الجنسي . ثمة حياد غريب في الفلم ، وكأن كاتب السيناريو والمخرج صاغا هوفر من الزاوية التي منها أعجب كل منهما به . تأثير هوفر على أمريكا تم تجاهله ، هو الذي عاصر أخطر ، وأسوأ ، مرحلة من تاريخها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram