غالبا ما تكون السيرة شاملة ، إذ تكون لديك حياة ،أفكار ، جوهر شخصية ، كلها في مكان واحد . وحياة فرد تكشف عن حقائق كونية عن الحالة الإنسانية . فالسيرة تنقص من إسطورة الشخصية ، فتجعلك تراها على مستوى إنساني أكثر ، في ضعفها وأخطائها .
تتيح لك السيرة الوقوف على أكتاف العمالقة . في سبعينات القرن السابع عشر كتب ايزاك نيوتن في رسالة الى صديق له : (( لئن كنت أرى أبعد ، فذلك لأني أقف على أكتاف العمالقة )) . فالسيرة توفر لك الرؤية الأبعد بفضل ما أنجزه هؤلاء الناس . لا يمكن إنكار أن ليس كل سيرة حياة تدور حول (( عملاق )) ، لكن أغلبها كذلك . حتى لو كان الشخص محل السيرة جديرا بالإزدراء ولا يستحق الإعجاب والمديح ، فلا يزال هناك العديد من الدروس التي يمكن إستخلاصها من سيرته .
إنها تحفز على اكتشاف الذات ، وستكتشف أفكارا ومقاربات في حياتك الخاصة عبْر قصص وتجارب الآخرين . منها نتعلم اكثر حول مواقف الناس ، للبحث عن الإلهام من سلوكهم في المحنة . وتتيح لك رؤية العالم بطرق جديدة ، تختلف عن الطريقة التي تنظر بها الى الأشياء ، فالتعرّف على شخصية ما من عصر مختلف ، خلفية مختلفة أو موقع مختلف لتجارب الحياة ، سوف يمنحك نظرة جديدة .
انها البحث عن المثال ، أو حسب تعبير تاركوفسكي (( التوق الى المثال )) ، فكل فرد يجرّب عملية معرفة الذات ، ويستفيد من خلاصة المعرفة الإنسانية ، وكل فرد يرهقه التوق الى التوحد مع المثال . واستحالة تحقيق ذلك التوحد ، كما يقول ، وعدم كفاية " أناه " الخاصة هو المصدر الدائم لشعور الإنسان بالألم وعدم الإشباع .
ذلك ما تقوم عليه نظرية العالم النفسي الفرد ادلر عن " الشعور بالنقص " ، والتوق الى " التفوّق " ، التي يقول إنهما القوة الدافعة في حياة الإنسان ، والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجود الناس الآخرين حوله والذين يملكون قدرة احسن منه للعناية بأنفسهم والتكيّف مع بيئتهم .
السيرة هي تاريخ ، والتاريخ ، كما يقول منظر السينما كريستيان ميتز ، هو خطاب مقنّع ، يطمس إشارات إيضاحه ويتنكر بشكل قصة . وفي السينما ، يدعو هذا الى استجابة تلصصية ، بدلا من أن يواجه نظراتنا مباشرة . وهذا ، أيضا ، يتيح لنا لا النظر فقط بل المشاركة والحضور . بهدذه الطريقة يطرح ميتز فكرة " ايدلوجية " : الأفلام والمشاهدون يتقاسمون ايديولوجية مشتركة ؛ هذا التقاسم يدعم أساس السينما ، وهي ايدلوجية تحدد بنية فكرة المشاهدة ، شيء يبقينا على مقربة من وضع أناني لا يمكن تبريره ، تلصصي إنما سارّ .
في الأفلام التي تتناول سير الشخصيات التاريخية ، تكون عظمة البطل مشيئة ، حسب تعبير الناقد الفرنسي اندريه بازان ، بمعنى إنها ذات صلة بكشف التاريخ . ويرى ان المنظور المادي الديالكتيكي يدافع عن البعد الإنساني في البطل ، بخلاف المثال الرأسمالي المجسّد بأفضل صورة بإسطورة "النجم" التي تجسّدها أفلام السيرة الأخيرة ، منها فلم كلينت ايستوود " جي أدغار " ، حيث تظهر فيه هذه الشخصية التي أثرت في تاريخ الولايات المتحدة على مدى أربعة عقود بصورة " النجم " . فالفلم ، مثلا ، لم يتطرق بشكل كاف الى الميول الجنسية المثلية لهوفر ، كما لم يوح بأن إمبراطوريته المجسّية كانت أمارة على الكبت الجنسي . ثمة حياد غريب في الفلم ، وكأن كاتب السيناريو والمخرج صاغا هوفر من الزاوية التي منها أعجب كل منهما به . تأثير هوفر على أمريكا تم تجاهله ، هو الذي عاصر أخطر ، وأسوأ ، مرحلة من تاريخها.
السيرة
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2015: 09:01 م