ناجح المعموريعرفته في "طريق الشعب" خلال فترة السبعينيات وانا اتابع مواد المكتب الصحفي في بابل والفرات الاوسط، وكنت اخذ قسطا من الراحة في القسم الثقافي، لاتفرغ لقراءة القصص المرسلة الى ثقافية الطريق، حيث اجد الصديقين العزيزين، المرحوم غانم الدباغ وفهد الاسدي قد فرغا من تقييم القصص وكنت متوافقا معهم في ملاحظاتهم حول صلاحيات النصوص ،
لكن المرحوم (ابو كاطع ) لم يكن ياخذ بالملاحظات فقط لاسباب سياسية ، وضوابط العلاقة مع (الحلفاء) واتذكر في يوم من الايام قدمت قصة لي اسمها [صباح الخير ايتها الغابة] حازت تزكية الصديقين، وعندما قرأها المرحوم (ابو كاطع ) وضعها في جرار منضدته، ولحظة دخولي الى غرفته في يوم خميس، لأني كنت احضر اجتماع صفحة مرحباً يا اطفال مع العزيزين عدنان حسين والمرحوم مؤيد نعمة. استقبلني "ابو كاطع" ضاحكا وهو يقول : القصة جيدة وممتازة وعلى الرغم من المحاولة الترميزية الواضحة، تظل القصة طافحة بالجنس، اعتذر عن نشرها ولم اقل له شيئا واكتفيت بالصمت. لكنه بادرني بضحكته المعهودة قائلا : لم يستطع الرمز التكتم على الاتصال الذي بين الفتاة والحصان، وهي مثيرة. والقصة محاولة لاعادة انتاج لوحة تشكيلية للفنانة سعاد العطار التي حاولت التمويه على اشجار الغابة التي تحولت كلها رموزاً ذكورية وفتاة وسط الغابة تمتطي حصاناً. تسلمت القصة وقدمتها للصديق (سامي محمد) الذي كان مشرفا على ثقافية" الفكر الجديد" ، وبعد اكثر من اسبوع سألته عن القصة فقال لي : تحفظ "ابو كاطع" على نشرها، تسلمت القصة مع تخطيط لها نفذه الاخ الفنان د. مجيد حميد وما زلت احتفظ بهما حتى الان. عرفت مثلما عرف غيري من الذين عملوا في "طريق الشعب" والمكاتب الحزبية بان ما ينشره "ابو كاطع" في عموده المعروف (بصراحة "ابو كاطع“) كان يثير من الاشكالات السياسية مع "الحلفاء" الذين كانوا يقرأون ما يكتب بدقة وبعدسات مكبرة وتحليل ما يقول بوصفه موقفا ضدهم. وكان يتوقف احيانا عن كتابة عموده المشهور جداً، لكنه يقدم افكاراً للفنان مؤيد نعمة يرسمها كاريكتيريا ويحدد له التعليق كذلك. ليس في بغداد فقط وانما في المحافظات ايضا. واقترح " ابو كاطع" كاريكتيرا (يتضمن برميل أزبال ممتلئا، تساقط منه الكثير على الرصيف واعتلت قطة سطح البرميل وقريبا منها، وقف رجل ضبط انفه بقراصة امساك الملابس على الحبال وكان التعليق :وصلت جيفته لأبو موزة). وبعد نشر الكاريكتير مع التعليق قامت الدنيا ولم تقعد.تميزت شخصية المرحوم "ابو كاطع " الصحفية. بخصائص أسلوبية وفنية لم تعرفها حتى الان الصحافة العراقية، على الرغم من ظهور العمود الصحفي الساخر بين حين واخر لكن "ابو كاطع" تميز بإمكانات ، قادرة على تطويع الرأي الجمعي بلغة سهلة وبناء متماسك وتوظيف للغة العامية التي ميزته تماما حتى في رواياته. انه مكتشف المفردة العامية "النيرة" حسب مصطلح دانتي وظل-يخترق بها ومن خلالها جدران الدكتاتورية.واعرف المئات من القراء والمثقفين يبدأون قراءة "طريق الشعب" ابتداءمن بصراحة "ابو كاطع" التي أسست نوعا من العمود الصحفي الذي دائما ما يتحول الى مقال من طراز فريد، وكنت اراه هادئاً وكثير المرح وهو يطلق تصريحاته الرمزية واقول مع نفسي : كيف يتحول هذا العملاق الهادئ والرصين الى مقاتل عبر لغته، وأية امكانات تمتع بها وانفرد عن غيره بخصائصه المميزة له. كان رحمه الله صوتاً مدوياً ومحرضاً واعتقد بان لمغادرته العراق اسبابها مختصرة بما كان يكتبه. تحية الى شمران الياسري وخلف الدواح الصوت الشعبي للانسان العراقي، وهل تجرؤ كلية الاعلام تدريس هذه التجربة اكاديمياً؟.
هل تجرؤ كلية الإعلام على تدريس تجربة "أبو كاطع"؟
نشر في: 6 يناير, 2010: 05:25 م