أسعار النفط في تدهور متواصل في السوق العالمية، ومعها تتدهور أوضاعنا المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فحكوماتنا المتعاقبة، الدكتاتورية و"الديمقراطية" جعلتنا رهينة هذه السلعة اللعينة وأسرى أسعارها التي لا دخل لنا في تحديد مقدارها.
في اجتماعها الأسبوعي الأخير اتخذت الحكومة إجراءات فورية لمواجهة الأزمة المالية في البلاد، كما جاء في البيان الصادر عقب الاجتماع. ويبدو أن أهم هذه الإجراءات تخصيص خمسة تريليونات دينار (أربعة مليارات دولار أمريكي) لتنشيط قطاعات الزراعة والصناعة والإسكان، وتشجيع الاستثمار. وهذا الإجراء على أهميته بالمقارنة مع عدمه، هو رقعة صغيرة لن تكفي لرتق الشقّ الكبير، فالحكومة السابقة أورثت خلفها، الحكومة الحالية، موازنة خاوية وديوناً كثيرة ومشكلات عويصة لها أول وليس لها آخر، بينها حرب مكلفة للغاية ضد الإرهاب الذي يحتل ثلث مساحة البلاد.
لا يتعيّن أن نستسلم لليأس والإحباط والعدمية، وإنما ينبغي أن تدفعنا هذي الحال إلى توسيع مديات تفكيرنا لنزيد من حجم الرقعة كي نرتق الشق الكبير.
العمل لتنشيط قطاعات الزراعة والصناعة والإسكان والتشجيع على الاستثمار، هو قرار صائب، لكن يتوجب أيضاً أن ندعم تقديم الأموال بإجراءات عاجلة هي الأخرى لتنشيط القطاعات الاقتصادية المشار إليها في البيان الحكومي.. يتعين مثلاً أن نحدّ كثيراً من استيراد الفواكه والخضار والمنتجات الزراعية الأخرى، فمن شأن هذا تشجيع المزارعين على العمل في مهنتهم غير مهددين بالخسارة بفعل الأسعار المتدنية الناجمة عن مزاحمة المنتجات المستوردة.
ويتوجّب أيضاً وقف استيراد السلع الصناعية متردية النوعية القادمة الينا من الصين وايران وتركيا وسواها، وحصر الاستيراد بالسلع الجيدة التي تنتجها الشركات العالمية الرصينة. السلع متردية النوعية لا تعمّر طويلاً، فسرعان ما تتحول إلى سكراب ونفايات، وهي تكلّف الاقتصاد الوطني مليارات الدولارات سنوياً.. وقف استيراد السلع الرديئة سيكون له مردود إيجابي آخر يتمثل في بعث الحياة في الصناعة الوطنية المعطلة، ما يخلق فرص عمل تحدّ من تفاقم مشكلة البطالة.
على نفس القدر من الأهمية وضع برنامج حكومي صارم وفوري التنفيذ لمكافحة الفساد الإداري والمالي، فهذا من أكبر مسارب المال العام ومن أضخم المعرقلات لمعافاة الحياة الاقتصادية في ميادين الزراعة والصناعة والاستثمار.
يتوجب أيضا التفكير بكل السبل الكفيلة بالحدّ من الهدر المالي غير المنتج، وهذا ليس واجب الحكومة والبرلمان وحدهما.. الهيئات والمؤسسات الدينية والاجتماعية يمكن أن تلعب دوراً كبيراً على هذا الصعيد.. على سبيل المثال تواجه الدولة الآن مشكلة الإنفاق المكلف على النازحين من المناطق التي يحتلها داعش، وهم بالملايين، وتأمين رواتب وتجهيزات الحشد الشعبي.. أظن أن من المجدي أن توجّه الهيئات الدينية والاجتماعية الناس نحو تقديم التبرعات للصرف في هذين الميدانين.. في الكثير من المناسبات كالشعائر الدينية والأعياد ينفق المتبرعون والهيئات الدينية والاجتماعية ملايين الدولارت، وأعتقد أنه من الأثوب شرعاً والأجدى وطنياً توجيه هذه الملايين، أو قسم معتبر منها، للإنفاق على النازحين والحشد الشعبي ومساعدة الدولة في هذين المجالين وتمكينها من الاستثمار أكثر في القطاعات الاقتصادية المنتجة القادرة على تحريرنا من أسر النفط وأسعاره.
الرقعة صغيرة.. يمكن تكبيرها
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2015: 06:01 م
جميع التعليقات 2
كلمة حق
استاذ عدنان اعتقد ان الهدر المالي الذي حصل في عهد المالكي يكفي لبناء قاعدة صناعيو وزراعية متطورة . وكان بالامكان الافادة من الاموال المهدورة بناء العراق الجديد الذي كانت يتطلع اليه العراقيون بعد سقوط صدام .لكن الذي حدث انت اعلم به . سياسيوا الصدفة لم يكن
د عادل على
لولا النفط ولولا قانون 80 للنفط الدى تحدى بصدوره عبدالكريم قاسم شركات النفط لما كان الانزال العسكرى الامريكوبريطانى فى لبنان والاردن فى تموز 1958 ولما استشهد عبدالكريم قاسم ولما جاء البعث للحكم بمدابحه لليساريين وحروبه ضد كردستان والجنوب العراقى المحر