من الخطأ حصر الطغيان، كقيمة او سلوك، بالحاكم. فقد تجد المعلم طاغية وكذلك شيخ العشيرة او رجل الدين او الأب او الأم. ألم يصف سعدي الحلي أمّ مَن يحب:
أمك طاغية يا زين الأوصاف تتباهه بجمالك؟
الطغيان مهما كان شكله فهو إرهاب. انه فرض قناعات شخص او حزب او دين او مذهب ما على الآخرين وعليهم ان يمتثلوا، والا فالسيف او الرصاص او حبال المشانق هي الخصم والحكم.
ان تأتي بجاهل يتحكم بمصير عالم وبالقوة، طغيان. ان تفرض مفاهيمك الخاطئة على الناس بسبب جهلك وامتلاكك للسلاح او عصابة او مليشيات مسلحة فإنك ارهابي. ان تستغل تاريخ أبيك او عمّك أو جدك لتغسل ادمغة الناس وتعبث بشؤون حياتهم ومصائرهم، سيكون مصيرك السجن لو كنت في بلد ديمقراطي يحترم الانسان ويضعه قيمة عليا. مثلك في هذا مثل من كان أبوه او جده طبيب عيون او جراحا وهو لم يدرس الطب ساعة واحدة لكنه يرغم الناس ان تعترف به طبيبا وأن لا تعترض عليه حتى لو استأصل أعضاءهم الجسدية.
ماذا نسمي استغلال شخص ما لنفوذه المادي وتسلح اتباعه ويجمع جمعا من الناس، بالترهيب او الترغيب ويثرم براسهم بصلا على الهواء وهم مرغمون على الاستماع له، ولا يستطيعون الرد عليه بفعل الحاجة او الخوف؟ أليس ذلك إرهابا اجتماعيا لا يقل خطرا عن إرهاب داعش؟ نعم ان استغباء الناس والضحك على عقولهم بالقوة يشابه في النتيجة قطع اعناقهم.
هكذا انظر اليك، واظن ان كل ذي عقل يشاطرني النظرة، لو تفرض علي ان اعتبرك عمودا من أعمدة بناء الدولة وانت مجرد شخص سياسي. أعمدة بناء الدولة يا هذا هي المؤسسات وليس الافراد. اما أركانها فهي معروفة حتى لتلميذ الروضة: الشعب، والأرض، والحكومة، ويضاف لها السيادة أحيانا. عندما تقول عن نفسك بانك عمود من أعمدة بناء الدولة، فلنفرض أنك مت، وكل فرد عرضة للموت لا محال، فهل ستتفلش الدولة بموتك؟
الطامة الأكبر لو أنك اتهمت المتظاهرين بان فيهم من مس أعمدة الدولة. انه افتراء محض. وهذا ما لم نسمع به ولم نره ابداً. الكل كان يرفع علم الدولة وبعضهم وضعه على رأسه. اتقوا الله في الناس المظلومين والمسروقين بإسم الدين. نعم انهم تناوشوا أسماء سياسيين ووزراء وحاكمين سابقين ولاحقين ورؤساء كتل وهذا حقهم. نعم حقهم رغما عن الذي يرضى أو لا يرضى لأنهم هم وليس انت من يشكل العمود الأهم في أعمدة بناء الدولة. انهم شعب وانت فرد اخترت لنفسك ان تكون سياسيا وعليك ان تتحمل نتائج اختيارك. ورحم الله إمرأً عرف قدر نفسه.
أعمدة بناء الدولة
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2015: 09:01 م