في الاسبوع الخامس تواجه الاحتجاجات الشعبية انعطافة مصيرية قد تمتص زخمها او حتى تؤدي لانهائها بطريقة وأخرى. فبعد ان كان دخول الاحزاب والكتل السياسية، على خط الاحتجاجات، خجولا ومواربا وشخصيا مفضلا التماهي مع شعارات المتظاهرين، فان هذه الاطراف اليوم تدخل باسمائها وشعاراتها واجنداتها المعلنة.
يخشى، والحال هذه، ان تؤدي مشاركة عناوين سياسية وحزبية، في تظاهرات الجمعة، الى فتح الباب واسعا امام استعراض القوة وتحويل صراع الكواليس الى صراع مفتوح ومعلن على الارصفة والساحات العامة. وهنا يتساءل البعض ما الذي يمنع المتضررين من تظاهرات البصرة او النجف او بابل من اللجوء لاستخدام سلاح الشارع للرد على الحملات التي يتعرضون لها في ظل احتجاج مدني لا يتمتع بظهير قوي ولا مظلة سياسية ولا امنية سوى خطب جمعة النجف وبعض المواقف الخجولة التي يعلنها رئيس الحكومة.
صحيح ان ساحات التحرير مفتوحة ومتاحة لجميع العراقيين من كل لون وطيف، الا ان المخاوف قائمة من مصادرة فضاء الاحتجاج من اصحابه الحقيقيين، ولو بنحو رمزي، وهذا ما قد يؤدي لاحباط الجمهور واعادته الى الصمت مرة اخرى.
كان يجب على الاطراف السياسية التي تعتزم تسجيل حضورها في ساحات التحرير، القيام بخطوات اسهل واسرع واكثر وضوحا، كوضع استقالة وزرائها تحت تصرف رئيس الوزراء، ورفع الغطاء عن مسؤوليها الفاسدين، او حتى التخلي عن مواقعها التي حصلت عبر المحاصصة القائمة منذ 2003.
المتغير الآخر الذي تواجهه الاحتجاجات المدنية / غير الحزبية، هو سعي بعض وسائل الاعلام المحلية والاقليمية لمصادرتها وتسويقها للمخاطب العربي وغير العراقي بوصفها "ثورة" ضد نفوذ هذه الدولة او تلك وتندرج ضمن صراع المحاور الذي تشهده المنطقة. هناك مؤشرات واضحة بامكان المراقب رصدها واكتشاف محاولة، الجهات التي تقف وراءها، لاختطاف الصوت العراقي المستقل واستخدامه كأداة لابتزاز اطراف داخلية وحتى حكومية، مستغلة بذلك عدم انتظام صفوف المتظاهرين "غير المتحزبين"، واختلافهم الواضح حول سلم الاولويات، وامتناعهم عن بلورة قيادة واعية ذات مصداقية.
لقد اضاع "الاحتجاج المدني" الوقت كثيرا، عندما انشغل بالشعار واهمل توحيد الصوت والقيادة، واخرى عندما انشغل بالصراعات والمعارك الجانبية عن بلورة رؤية وطنية، "لا شرقية ولا غربية"، تعبر عن تطلعات ساحات واعلانها عبر مؤتمر صحفي بعيدا عن صخب التظاهرات.بعد اسبوع ساخن شهد اعتداءات عدة مورست ضد متظاهري البصرة وبابل وكربلاء بهدف اخافتهم وثنيهم عن تصعيد احتجاجهم، وقد نجحت هذه المساعي نوعا ما، يتوقع ان تشهد الاسابيع المقبلة نزول الاحزاب الى الشارع جنبا الى جانب المواطن المحتج على هذه الاحزاب ذاتها للتحكم بمسارات الاحتجاج وتوجيهها ضد الخصوم او ربما ايقاف زخم الاصلاحات التي طالت مصالحها.
هنا تحتم اللحظة التاريخية على الحراك "غير الحزبوي" تمييز نفسه وشعاراته عن الآخر الذي سيشاركه في ساحة الاحتجاج في الفترة المقبلة، وعدم الانشغال بالجدل البيزنطي الذي يستنزف قواه ويشتت رؤية انصاره ويحبط اصدقاءه ويغري اعداءه. يحتاج الحراك المستقل معرفة ان الاهم من الاصلاح والاحتجاجات هو بلورة قائمة مطالبات تتصف بالواقعية والدستورية، وبخلاف ذلك فان اي ورقة لا تراعي هذين الشرطين ستكون مضيعة للوقت والجهد ليس الا.
وفي ظل الاستقطاب الحاد الذي نشهده، فان رئيس الوزراء العبادي مدعو للاستمرار بامساك عصا الاصلاحات من الوسط، وعدم الخضوع لابتزاز الفرقاء، او الانجراف وراء مشاريع تسويقه كبطل وطني بامكانه تجريف الحياة الدستورية وهياكل الدولة بـ"تفويض" غير مكتمل الشروط.
لكي لا تضيع البوصلة
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2015: 09:01 م