لنعد بالذاكرة إلى يوم 25 شباط 2011. هو يوم مشهود في تاريخنا، فعشرات آلاف من العراقيين نزلوا إلى ساحة التحرير والساحات المماثلة في مدن رئيسة عدة، بينها الموصل (المحتلة الآن) والبصرة، احتجاجاً على تفاقم الفساد الإداري والمالي وتردي الخدمات العامة وبخاصة الكهرباء، ومطالبةً بإصلاح النظام السياسي وإنهاء نظام المحاصصة غير الدستوري.
تظاهر عشرات الآلاف في ذلك اليوم برغم ما قام به رئيس الحكومة آنذاك من تحريض ضدهم واتهامهم بأن عناصر القاعدة والبعثيين يقفون وراء الدعوة للتظاهر، بل إنه فرض حظراً للتجوال في العاصمة بغداد ابتداءً من منتصف الليلة السابقة. وإذ تحدّاه المتظاهرون بالنزول إلى الساحات لممارسة حقهم الدستوري أعطى نوري المالكي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، رخصة للقوات الأمنية بإنهاء المظاهرات بالقوة الغاشمة، وهو ما حصل، وكانت من نتائجه استشهاد وجرح عدد من المتظاهرين في البصرة والموصل. وفي العاصمة لوحق عدد من الشباب النشطاء والإعلاميين الذين غطّوا مظاهرة بغداد واعتقلوا وعُذبوا.
كان ذلك في 25 شباط 2011.. لكن لم تفتّ تلك الإجراءات القمعية في عضد المتظاهرين الذين واصلوا حركتهم الاحتجاجية، فيما واصل رئيس الوزراء السابق استخدام القوات الأمنية في المهمة القذرة إياها... والنتيجة أن شرخاً كبيراً حصل بين الشعب والقوات المسلحة التي تحوّلت بأمر من قائدها الأعلى من مهمة الدفاع عن الوطن واستقلاله وسيادته وأمن شعبه وكرامته إلى مهمة البطش والقمع. والنتيجة أيضاً أن المؤسسة العسكرية والأمنية قد ضربها الفساد ونخرها، وهو ما تجلّى على نحو ساطع في هزيمتها المُذّلة أمام بضعة آلاف من الإرهابيين من عناصر داعش الذين اجتاحوا ثلث مساحة البلاد واحتلوها في بضعة أيام وليال!
لنعد من الماضي إلى الحاضر .. الأسبوع المنصرم، في البصرة تحديداً، أراد أحد الجنود إطلاق النار في الهواء لتخويف المعتصمين فتقدّم إليه ضابطه ونهره ، بل انه قام بتقديم الزهور إلى المعتصمين تعبيراً عن الاعتذار وإبلاغاً لرسالة بان عهد القمع والبطش وتوجيه الجيش للقيام بمهمة مشينة كهذه قد انتهى.
لم تنته القصة بعد، فيوم الخميس الماضي استقبل وزير الدفاع خالد العبيدي عدداً من الجنود والضباط في قيادة عمليات البصرة ليتقدّم إليهم بالشكر وليكرّمهم عن حسن تعاملهم مع المتظاهرين والمعتصمين، فيما أصدر أمراً بتثبيت العقيد كريم محسن عبيد شمار آمراً لفوج حماية عمليات البصرة.. والعقيد شمار هو ناثر الزهور على المعتصمين.
الوزير العبيدي خاطب الضباط والجنود في هذه المناسبة قائلاً أن "الجيش في خدمة الوطن والمواطن، وانه من واجب المسؤولية القانونية والدستورية سيقف حامياً لحرية التعبير عن الرأي ما دامت في حدود الأطر الدستورية والقانونية وما دامت تنتهج آليات سليمة بعيدة عن العنف".
منذ 2004 حتى اليوم سمعنا ما يملأ فضاء الكرة الأرضية من الكلام عن الجيش العراقي الجديد .. الآن فقط يمكن القول أننا قد شرعنا للتو بإنشاء هذا الجيش، فالجيش الذي قمع المتظاهرين في 2011 وفي 2013 لا يفرق في شيء عن جيش صدام حسين وسواه من الدكتاتوريين السابقين .. الجيش الذي يقدّم الزهور للمتظاهرين والمعتصمين المطالبين بحقوقهم الأساسية ويضمن حرية التعبير السلمي عن الرأي، هو الجيش الجديد حقاً وفعلاً.
لو أننا منذ 2004، أو منذ 2011، قد أنشأنا جيشاً كهذا ما كانت الموصل وسواها ستسقط في أيدي داعش بسهولة سقوط الثمر التالف من أشجاره، وما كنّا سنخسر ثلث مساحة بلادنا، وما كان عشرات الآلاف قد قتلوا أو جرحوا أو أسروا أو سبيوا، وما كان الملايين قد نزحوا في الداخل والخارج الى مخيمات البؤس والجوع والمهانة.
جيشنا الجديد
[post-views]
نشر في: 28 أغسطس, 2015: 06:01 م
جميع التعليقات 2
خليلو...
أيكون هذا الجيش الذي كنا نراه وقد استبدل به الشرطة السيارة فتستقبله الجماهير بالهتافات في شارع الرشيد ؟ يمكن حصول ذلك وحين ذاك يحق لنا ان نقول : إن العراق بدأ يستعيد وجهه الأصيل لم لا فهذا الشباب هو شباب الوثبة والإنتفاضة قد بعث من الرماد
سمير عادل
عزيزي الاستاذ عدنان.. هل يعقل انك لم تسمع او تشاهد قمع المتظاهرين في البصرة والحلة وقبلهما كربلاء.. الا متى يمجد مؤسسة قمعية مثل الجيش؟. جيشك الجديد يفض الاعتصامان بالقوة ويغلق الطرقات للحيلولة دون وصول المتظاهرين الى ساحة التحرير..هل افسر مقالك بطيب نية