مناجيات مع هيرمان هيسّه

6
تلجأ في روايتك الفريدة (ذئب البراري أو ذئب السهوب) الى تحليل الكائن البشري وتفضح انطواءه على كائنات عدة ، ولكنك تجعل ذئب البراري يقف أمام مبنى الكنيسة الحجري القاتم الذي لا منفذ فيه ويخاطبه بهدوء الواثق:
- نم نوما هانئا ، لن أوقظك ، سيأتي الوقت المناسب الذي ستنهار فيه وتلصق عليك الإعلانات التجارية.
يشرع ذئب البوادي بمواجهة سلطة الدين في محاولة للتحرر من تشظي روحه بين المقدس والآثم ، مثلما فعلت انت حين هربت من الدراسة في الدير لتبحث عن نفسك في التجوال وتكشف عن ذاتك وتعريها للنور والظلمة والتجربة ..
- ترى إلى أين يفضي وجود الذئب والانسان في حالة تشابك داخل الذات الانسانية؟؟
- هؤلاء الاشخاص لا تهيئ لهم الحياة أي قدر من الراحة ،يعيشون أحيانا لحظاتهم من السعادة النادرة باندفاع هائل وجمال عصي على الوصف ويلامس بريق سعادتهم الآخرين بسحره فتولد الأعمال الفنية.
- تقول ان ذئب البراري يملك اندفاعا نحو القديس والمتهتك معا؟
- حتما ، لأنه عاجز - نظرا لقصور ذاتي- عن الغوص في عوالم الفضاء الحرة فهو مغلول الى مجموعته الاجتماعية ، وهذا هو موقعه من الكون وهذه هي عبوديته أيضا.
- هل تحدد لنا من هم البشر الذين ينتمون إلى فئة ذئاب البراري؟
- معظم المفكرين والمبدعين والفنانين ينتمون الى النمط نفسه والأقوى بينهم يشقون سبيلهم في العالم البورجوازي ويبلغون الكون اللامتناهي.
- وماذا عن الضعفاء منهم؟؟
- غالبا يتكيفون مع المجتمع ويخضعون لشروطه ويتقبلون تسويات مهينة ، ويضطرون للتشديد على معتقداتهم لكي يتمكنوا من العيش وسط المجتمع.
- تقول : من المستحيل على ذئب البراري أن يظل هاربا من جحيم الجسد الى نعيم فلسفة عاطفية ، فماذا بوسعه أن يفعل يا معلمنا هيرمان هيسه؟؟
- سيضطر الإنسان والذئب الى التعرف كل منهما على الآخر، بدون أقنعة المشاعر الزائفة ، وسوف يتواجهان فإما أن ينفجر الوضع بينهما فيفترقان نهائيا ، ويختفي الذئب إلى الأبد ، أو يتوصلان إلى تسوية وتفاهم على ضوء السخرية والفكاهة.
- لماذا يرتاب ذئب البراري القابع في أرواحنا بكل شيء،؟؟
- لأنه يخشى مواجهة نفسه فهو يرتاب بموقعه من العالم ويرتاب بالمفكرين.
- هل يشفق من معرفة حقيقته؟
- أجل ، فهو ما أن ينظر في المرآة حتى ينكص منكمشا وقد تملكه خوف مريع.
- تعترف أيضا ان ذئب البراري لا يمكن تقسيمه الى ذئب وانسان فتلك محاولة حمقاء ، فكيف ننظر إليه ؟
- للكائن المزدوج الذي هو نحن : مائة أو الف ذات، وليس اثنين وحياته لا تتأرجح كحياة اي انسان بين قطبين كالجسد والروح والقديس والآثم ، بل بين آلاف الأقطاب ، أقطاب لا حصر لها: إنه نحن ..
- بمعنى أن كل ذات انسانية هي عالم متعدد الجوانب وكما تصفها أنت بأنها سماء مرصعة بالنجوم وفوضى من الأشكال والألوان والحالات والمواريث والاحتمالات المختلفة..
- نعم الانسان مثل حبة بصل مكونة من مائة غلاف ،نسيج مكون من خيوط كثيرة وقد عرف الاسيويون البوذيون هذا الامر عبر اليوغا وفضحوا اوهام الهوية الشخصية الواحدة بينما يتمسك الغرب بوهم وحدة الشخصية ولا يتراجع عنه.
- وإذن ، فنحن جميعا مسكونون بذئاب البراري التي تجعل حياتنا جحيما متواصلا من الريبة والطموح والبحث والأمل.
 يتبع