إحدى أكبر مشاكلنا مع الحكومة السابقة وسابقتها (كلاهما برئاسة السيد نوري المالكي)، ومع عموم الطبقة السياسية المتنفذة في الحكم على مدى السنين العشر الماضية أن الدستور الدائم الذي استفتينا عليه في أواخر 2005 كانت مبادئه تتعرض للعدوان وأحكامه يجري انتهاكها على مدار الساعة جهاراً نهاراً بعلم الجميع وتوافقهم وتواطئهم.
أول وأكبر انتهاك تمثّل في ركن الدستور جانباً والعمل بنظام التوافق والمحاصصة الذي قال المتنفذون أنه سيُعتمد لدورة واحدة فقط (أربع سنوات) نزولاً عند ما سموها "ضرورات المرحلة"، ثم تمسّكوا به بعناد، وبعضهم اعتبر أنه أصبح "أمراً واقعاً" وينبغي القبول به إلى الأبد. هذا النظام كان العنصر الأساس في كل الخراب الذي شهدناه في الحقبة الماضية، واسقاطه هو الهدف الرئيس لحركة الاحتجاجات الحالية، مثلما كان هدف الحركات السابقة 2011 – 2013.
ومن أكبر الانتهاكات المبكرة للدستور أيضاً، عدم العمل بمادته الأخيرة (142)، التي ألزمت أول برلمان بتشكيل لجنة من أعضائه بأن تعدّ خلال أربعة أشهر "التعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور"، وتعرضها "دفعة واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها"، ثم "تطرح المواد المعدّلة من قبل مجلس النواب.. على الشعب للاستفتاء عليها، خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ إقرار التعديل في مجلس النواب".
مجلس النواب الأول الذي انتخب نهاية 2005 شكّل بالفعل اللجنة التي قدّمت اقتراحاتها بتعديل 50 مادة، لكن تلك التعديلات التي كان من اللازم إقرارها في المجلس بعد مناقشتها وطرحها على الاستفتاء العام 2006، رُكِنت جانباً بموافقة الجميع وتواطئهم، والسبب ان الذين كتبوا الدستور الناقص والمتناقض على عجل لم يرغبوا في تصحيحه وتعديله لأن مصالحهم الشخصية والحزبية لا يحققها على أكمل وجه غير الدستور الأعوج والقوانين المنحرفة.
من الانتهاكات الخطيرة للدستور أن عشرات القوانين التي ألزم الدستور بتشريعها لبناء الدولة الديمقراطية وضمان الحقوق والحريات العامة لم تشرّعها دورتان كاملتان لمجلس النواب.. أخيراً فقط شُرّع ثلاثة فقط، هي قانون شبكة الإعلام وقانون العمل وقانون الأحزاب. كما لم تشكّل مؤسسات دولة رئيسة ألزم الدستور بإنشائها، كمجلس الاتحاد ومجلس الخدمة العامة.
من الانتهاكات الخطيرة الأخرى لأحكام الدستور ان "الهيئات المستقلة" التي حدّد لها الدستور دوراً بالغ الأهمية في إقامة وتوطيد النظام الديمقراطي، وبينها مفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة ومفوضية حقوق الإنسان وهيئة الإعلام والاتصالات، لم يحترم أحد ولم يضمن استقلالها.. إنها هيئات حزبية في الواقع لأن الأحزاب المتنفذة في السلطة هي التي تتوزع مناصبها ووظائفها وتتقاسمها في ما بينها.
انتهاك آخر وليس أخيراً ان انتخابات 2010 البرلمانية جرى الالتفاف على نتائجها بعدم تكليف القائمة الأكبر الفائزة (العراقية)، بحيلة تواطأت فيها المحكمة الاتحادية التي لم يُحترم استقلالها هي الأخرى، كما حال مجلس القضاء، فأصبحا مطية للسلطة التنفيذية ورئيسها.
انتهاك آخر وليس أخيراً أيضاً أن المئات من المناصب والوظائف العليا في الدولة، المدنية والعسكرية والأمنية (وكلاء وزارات ومدراء عامون وقادة عسكريون وأمنيون)، لم يعرضها رئيس الحكومة السابق على مجلس النواب كما يحكم الدستور، وكلّف عناصر محسوبة عليه وموالية له بشغلها بحيلة التكليف بالوكالة لشاغليها!
كل هذه الانتهاكات وسواها سكتت عليها الطبقة السياسية المتنفذة كل تلك السنين.. مرة واحدة حاولت (سحب الثقة من رئيس الحكومة السابق) وفشلت لأن معظم هذه القوى وقياداتها وعناصرها قدمت مصالحها الشخصية والحزبية على مصالح الشعب والوطن.
هذه الطبقة السياسية ترفع صوتها عالياً نجدةً للدستور المنتهك على الدوام، لأن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي قرر هذه المرة النزول عند إرادة الشعب الغاضب من تفاقم الفساد الإداري والمالي وانتهاك الدستور وتردي أحواله المعيشية، فتقدّم الى مجلس النواب، بحسب ما يقضي الدستور، بحزمة إصلاحات لإنهاء الوضع الشاذ القائم منذ 2003 حتى الآن بوضع حدّ لنظام المحاصصة وللفساد الإداري والمالي وللعبث الجنوني بحياتنا ومصيرنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا.
أين كنتم من الدستور من قبل أيها السادة؟
أين كنتم من الدستور؟
[post-views]
نشر في: 29 أغسطس, 2015: 09:01 م