TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > التواصل الاجتماعي بين قيم الجمال والتسامح والحقيقة ودعاة الرثاثة..!

التواصل الاجتماعي بين قيم الجمال والتسامح والحقيقة ودعاة الرثاثة..!

نشر في: 30 أغسطس, 2015: 12:01 ص

بين أهم منجزات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتواصل بكل أوجهه، حرية تداول المعلومات والمعرفة وكنوز الثقافة الانسانية، وازاحة التابوات والاسلاك الشائكة وقواطع الحدود بين البلدان في الحصول عليها ونشرها. وهي تتسع في منافعها واستخداماتها فتشمل كل فجٍ

بين أهم منجزات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتواصل بكل أوجهه، حرية تداول المعلومات والمعرفة وكنوز الثقافة الانسانية، وازاحة التابوات والاسلاك الشائكة وقواطع الحدود بين البلدان في الحصول عليها ونشرها. وهي تتسع في منافعها واستخداماتها فتشمل كل فجٍ عميقٍ ومترامي الاطراف والابعاد، تتطور بوتائر متسارعة، لا تستغرق بعض قفزاتها مجرد جزءٍ من ألف جزء من الوقت الذي كانت اكتشافاتها تستغرقه في تاريخ التطور البشري. وينبئ العلم بأن المستحيلات الفيزيائية تحول بعض منها الى امكانية واقعية خلال سنواتٍ أو بضعة عقودٍ وقرنٍ أو بضعة قرونٍ، حتى تصبح اعادة ترتيب خارطة تصميم الكون والتنقل بين جنباتها، سفراً، كما بين البلدان والقارات .
وفي هذا التطور المذهل، يصبح المتاح الممكن المتدفق، تعبيراً مباشراً للحرية، ونقيضاً للتقييد والحد منها تحت اي شرطٍ من الشروط والتابوات والاحكام التعسفية، وقد تصبح المطالبة باتاحتها مجاناً شرطاً من شروط الحرية.
لقد باتت الشبكة العنكبوتية، بما تتيحه من معلومات وتبادل افكار وآراء، اداة معرفة وتواصل لم يسبق لها مثيل، وهي تعد بتوسع في كل الاتجاهات، تفتح امام مستخدميها فرص اكتساب معارف ووصول الى منابع يتعذر الوصول اليها بالوسائل التقليدية. إن فرض مجانية المعرفة وادوات ووسائل الامتاع الثقافي والفني، وتيسير تدفق المعارف والمعلومات صار ممكناً رغم مقاومة الدول من خلال الحجب القسري او الشركات والمؤسسات المتضررة، ومثل هذا التمكين كان من بين المطالب التي تتسع دائرة الاوساط العلمية والشعبية في اوروبا والولايات المتحدة للمطالبة باقرارها وسن قوانين اممية ضامنة لها.
ومثل كل تطورٍ يتيح للبشرية مزيداً من تسخير ثروات الطبيعة والمجتمع، واخضاع منجزات العلوم والتكنولوجيا للارتقاء باكتشاف ذاتها وتطويع الطبيعة وما في باطنها وفوقها وحولها لخدمتها، وجعل الحياة واحة جديرة ببني البشر، يصطدم هذا التطور وما يحمل من منجزات باشباه بشرية مشوهة من قاع المجتمع، لتوظيف كل منجزٍ انساني ايجابي، لمرامي واهدافٍ متناقضة مع الاهداف والقيم النبيلة، وبما يكسر سياقاتها ويشيع عبرها ثقافة الرثاثة والابتذال والتفاهة. ولا تعكس ظاهرة القرصنة سوى مظهراً من هذه المظاهر الرثة .
لم تقتصر هذه الادوات على تيسير تدفق المعلومات والمعرفة، بل صارت ادوات للتعبئة السياسية والاجتماعية والتحريض على التغيير والنهوض ضد الظلم والانظمة المستبدة. وهذا ما ظهر في حركات ما سُمي بـ"الربيع العربي" التي أجهضت واتخذت مسارات خارج ما عبرت عنه القوى الاجتماعية والشبابية والسياسية التي كانت في اساس المشاركة فيها .
خلال السنوات العشر التي اتيح فيها للعراق الخروج من عزلته، وانهاء حرمانه من منجزات العلوم والتكنلوجيا والوسائل والادوات المتقدمة التي انتجتها، تيسّر للعراقيين على نطاق واسع استخدام الانترنت والهاتف النقال وتطبيقات فيس بوك وتويتر وانستغرام وعشرات البرامج والتطبيقات والالعاب، مما جعل البعض يتخوف من التأثيرات السلبية لها على الجيل الجديد الذي لم يتوفر له التعرف على كيفية الاستفادة منها، بما يرتقي بثقافته ومعارفه ويعمق من تواصله الاجتماعي خارج سياقات المجتمع الافتراضي، وتحوله الى اطار تكريس العزلة والتوحد والانفصام عليه .
ولكن خطر الانحراف باستخدامات هذه الوسائل والادوات الحضارية، التقدمية في طبيعتها وجوهرها، تزداد مع توفرها لافراد وجماعات اجرامية او ارهابية او قوى متطرفة وقراصنة المافيات المحلية والدولية .
وفي غياب قوانين تنظم القيم التي ينبغي تكريسها لمستخدمي هذه الوسائل دون النزوع لتقييدها، تحول هذا المنجز البشري العظيم الذي حول عالمنا الى قرية الكترونية متناهية الصغر كل ما فيها صار في متناولنا، الى ادوات بايدي مرضى ومشتبه بسويتهم الاجتماعية والسياسية والاخلاقية، لنشر الاحقاد والكراهية وللتشهير والتلفيق وتصفية الحسابات والتسقيط السياسي والابتذال. ولا يمكن ردع "هؤلاء" وتنظيف مجتمعنا الافتراضي المفتوح على المعرفة والجمال والخلق والامتداد الانساني، دون تعبئة تشيع ثقافة المعرفة والتسامح ونشر الحقيقة ونبذ الكراهية، وادانة كل الممارسات التي تتعارض معها .
وحتى تتسع دائرة قوى التواصل الاجتماعي تحت شعار "مجتمعنا الافتراضي" واحة معرفة وجمال وتسامحٍ تنشر الحقيقة وتنبذ الرثاثة والابتذال وثرثرات المهووسين والمشتبه بسويتهم الاخلاقية، لابد من الاحتكام الى القضاء والقانون ..
وقبل ذلك علينا العمل بما يتوفر لنا من طاقة التأثير، مثقفين ونشطاء مدنيين وشخصيات اجتماعية وتدريسيين وطلبة نابهين، لاشاعة قيم ومحددات النقد، وجسارات الشتم والكراهية والتسقيط والابتذال والرثاثة.
في بيروت والقاهرة، انتصر القانون للقيم الرفيعة وأدان حملة البذاءة والرثاثة ..
وها انا ابادر في بغداد لملاحقة هؤلاء وكشفهم ..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram