TOP

جريدة المدى > عام > من يتذكر شهداء الثقافة العراقية في الحصار الاجرامي؟

من يتذكر شهداء الثقافة العراقية في الحصار الاجرامي؟

نشر في: 31 أغسطس, 2015: 12:01 ص

من المؤسف أن يمضي الباحث والمتابع ساعات وهعو يقلب في صفحات الانترنت بحثاً عن قصاصة فلا يجد سوى السراب. يمكنك أن تجد حواراً مطولاً مع فنان مسرحي كبير عنوانه الحديث عن سنوات الحصار ثم تكتشف انه لم يتحدث عن أثر الحصار على الثقافة والمسرح في العراق بل عن

من المؤسف أن يمضي الباحث والمتابع ساعات وهعو يقلب في صفحات الانترنت بحثاً عن قصاصة فلا يجد سوى السراب. يمكنك أن تجد حواراً مطولاً مع فنان مسرحي كبير عنوانه الحديث عن سنوات الحصار ثم تكتشف انه لم يتحدث عن أثر الحصار على الثقافة والمسرح في العراق بل عن نفسه وتجربته. وستجد، في بحثك ثانية، أن الروائي سين والشاعر صاد يفعلان الأمر ذاته في مقابلات منشورة وموجودة على شبكة الانترنت. مرة أخرى نقف أمام نرجسية المثقف، فهو نرجسي حتى حين يتحدث عن مشكلة اجتماعية ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من البشر!
ولأن المثقف العراقي يجيد الحديث عن نفسه أكثر من الحديث عن الآخرين فلقد ابتليت مؤسساتنا بالمرض ذاته، وفي الحقيقة فإن تلك المؤسسات امتداد لا يقبل الشك لذات المثقف، فهو الذي يديرها ويشرف عليها، وبالتالي من النادر أن تجد فيها شيئاً عن آخر، أي آخر!
ومن اللافت، والثابت، في يوميات ثقافتنا الوطنية، التطبيق الحرفي لمثال "الطايح رايح"! وهذا "الطايح" من الممكن أن يكون شهيداً أو منفياً أو حتى منعزلاً من أجل الاحتجاج.
لقد كانت سنوات الحصار، الرهيبة بالفعل، قد ألقت بظلالها على كل شيء، ولم توفر أي شيء في الحياة لم تشمله العقوبات الدولية بالرعاية والحنان. وكان المثقف، والحقل الذي يعمل فيه، أكثر من هوت عليه المعاول. فرّ الالاف إلى خارج البلاد، وصمت مثلهم في مقبرة البلاد العجيبة، فيما اتجه كثيرون إلى السوق. كان من الاعتيادي أن ترى أستاذاً جامعياً يبيع البسكت والنساتل عبر صندوق سيارته الذي تحول إلى كشك متنقل. ممثلون معروفون قرروا بيع السجائر بالمفرد، وهنالك من قرر أن يكتب رسائل الماجستير والدكتوراه، وغيرها من المتطلبات الدراسية الاكاديمية، مقابل أثمان يدفعها حمقى يريدون أن يصبحوا نجوماً. ازدهرت مقاهي العاطلين، وصار الوافد العربي مليونيراً يتصدق على المثقف العراقي بزجاجة بيرة في بار متواضع أو نفر كباب في مطعم بالميدان. حل القحط، وجف دجلة فيما صمت الفرات. كانت الأمهات يطبخن الدموع. وكان الآباء محنيي الظهر على الداوم. سنوات الحصار، التي يعتقد الراحل أحمد المهنا، أنها تشابه في ظلاميتها ظلامية قرون العثمانيين، حولت بغداد من مركز للنور إلى مدينة أشباح. ثم أعقب الحصار احتلال، قاد إلى مقاتل بدأت ولا أحد يعرف متى ستنتهي، ومع هذه المقاتل انتقلت بغداد لتصبح مدينة الخوف.
تراكم الآلام يجبّ ما قبله! يمكن أن تكون هذه الجملة مفتاحاً جديداً لفهم الكيفية التي صار فيها موضوع الحصار نسياً منسياً.
أبحث الآن في عشرات المواقع عن ذكرى حسين الحسيني، مثلاً، فلا أعثر على شيء، عن ذكرى لرعد عبد القادر، سامي محمد، غازي العبادي، موسى كريدي، علي الوردي، سعاد الهرمزي، حياة شرارة، مهند الانصاري، سليم البصري... وغيرهم الكثير جداً من الذين رحلوا خلال سنوات الحصار، فلا أجد شيئاً ذي قيمة. كيف نفسر هذا الإهمال الوطني؟ ربما يرى قارئ بأن وفاة البعض منهم بسبب العمر وليس بسبب مباشر من آثار الحصار، وهذا اعتراض مقبول ولكنه لا ينفي حاجتنا لبحث سنوات الحصار تلك وأثرها على الثقافة العراقية، ومنتجيها.
لقد ولت تلك السنوات التي عشناها بصبر وقلق، وبقيت الكثير من تفصيلاتها حبيسة الذاكرة. وظلت عيون الشهداء تبحث عن شمعة استذكار فقط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي
عام

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

د. نادية هناوييؤثر الذكاء الاصطناعي في الأدب بما له من نماذج لغوية حديثة وكبيرة، حققت اختراقًا فاعلا في مجال معالجة اللغة ومحاكاة أنماطها المعقدة وبإمكانيات متنوعة وسمات جعلت تلك النماذج اللغوية قادرة على الاسهام...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram