ترجمة/ عادل العاملإن ما يبدو أشبه بلحظة واقعية صريحة، في فلم (تسوتسي Tsotsi) للمخرج الجنوب أفريقي غافِن هود الفائز بالأوسكار، حيث نرى مرتين قطاراً يتوقف داخل محطة، هو اللقطة الأقدم في الانعطافات السينمائية الموحية بالتهديد، حين ندرك أن الكاميرا تحوم فوق خط السكة الحديد، في طريق
القطار،وعلى وشك أن تتهشّم.وتنسل الكاميرا ببطءٍ شديد خارج الطريق، بحيث يتفاداها القطار بالكاد ويتفادانا بالامتداد.وهي اللحظة التي التصقت بي لأنها "تكبسل" تماماً. ذلك الإحساس الفائر في السينما الجنوب أفريقية بالتهديد. ففلم (تسوتسي) يدور حول الاستمرار في البقاء، لكن القطار هناك ليدعكَ تعرف أنك تستطيع تجنّبه فقط لبعض الوقت. فهو سيضربك، إن عاجلاً أو آجلاً. و الذين يسيرون بعيداً عن ذلك القطار (التهديد بالخطر) هم تسوتسي وعصابته، ويعني لقبه هذا " سفاحا أو قاطع طريق thug "، وهو ما يستحقه في الواقع. فأينما نقابله، نجده يطعن الناس للحصول على المال ويبدأ العراك مع المشردين وهم في كراسي المقعدين. وكما يصوره بريسلي شوينيَجي كواحد تافه مفعم بالغضب، فإن تسوتسي شخص عدواني في حالة غليان لا يؤمن بشيء وعلى استعداد لأن يضرب أصحابه ويحولهم إلى عجينة دامية لأقل استفزاز. لكن حياة الكفاف التي يعيشها تسوتسي في أكواخ الصفيح تتغير بعد أن يُطلق النار على امرأة في ضاحية ثرية من جوهانسبيرغ ويسرق سيارتها ــ بالإضافة إلى طفلها، الذي يصادف أنه في المقعد الخلفي.وفي الأول، يضع تسوتسي الطفل ببساطة في كيس ورق تحت سريره، لكنه يحاول في الأخير أن يُطعمه، ويغيّر حفاظاته، ويحصل له على غذاء أطفال تحت تهديد السلاح. وفي الوقت الذي تُغرى فيه عصابته بالعمل للفتوَّة المحلي ويبحث والدا الطفل والشرطة بشكلٍ مسعور، يُوقظ الطفل الذي في رعاية تسوتسي فيه القدرة على التقمص العاطفي. وكما يكافح تسوتسي، يتطور تمثيل شوَينيَجي للدور على نحوٍ معقد، متأرجحاً بين مظهر السفّاح الخارجي عديم الرحمة لتسوتسيو الشاب الجريح الذي يختفي خلفه.وإنه لأمرٌ مثير حقاً مشاهدة تحوله البطيء هذا، انصهاره إلى عطفٍ هو مكافأته الخاصة به، بصرف النظر عن أي شيء يؤدي إليه. فالفلم، الذي يستند الى رواية الكاتب أثَل فيوغارد، يروي لنا قصة سيرة حياة، لكن إخراج غافن هُود المفعم باللَّكَمات يتجنب العاطفية.وهناك جرعة صحية من فتور العالم الثالث لدى فيرناندو ميريل في اللقطات الخاصة بمجمّع الأكواخ، لكن أن تكون رجل عصابة هنا ليس بالأمر المسلّي كثيراً كما في (مدينة الله). فعالم تسوتسي عالم قاسٍ وغير متسامح، وهُود لا يسمح لنفسه بأية لامبالاة تهكمية تخفف من الضربات. ففي أحد المشاهد، يعود تسوتسي ليزور مسكن طفولته، الذي يتحول إلى ركامٍ من أنابيب الاسمنت المتروكة في ضواحي المنطقة حيث يقضي أطفال مشردون لياليهم هناك. وهكذا، فحتى اللحظات القصيرة من فترة الراحة هنا تجدها مفعمةً بالحزن.
السينما الأفريقية: "تسوتسي" السفّاح.. ابن بيئته عديمة الرحمة!
نشر في: 6 يناير, 2010: 05:58 م