ترجمة: نجاح الجبيليأي.أو. سكوت يقدم متحف الفن الحديث سنوياً بالاشتراك مع جمعية الفيلم التابعة لمركز لنكولن برنامج "مخرجون جدد/ أفلام جديدة" وهو تجمع عالمي يعرض الأفلام الأولى أو الثانية لمخرجين جدد وفي هذه السنة وكالعادة كان مستنبتاً للقصص: بعضها ممكن التنبؤ به والآخر مراوغ والعديد منه حزين،
لكن ما يبقى طويلاً في الذاكرة من هذه الأفلام ليست السرود بل المشاهد الطبيعية.توصف مثلاً حبكة فيلم "الخريف" للمخرج التركي أوزكان ألبر كقشرة من تشيخوف مترجمة إلى التركية، فثمة طالب سابق متطرف بعد أن يقضي الوقت سجيناً سياسياً يعود إلى دياره في قريته الواقعة على ساحل البحر الأسود شمال تركيا، وفي البلدة المجاورة يطور علاقة افتتان حذرة ومجروحة بمومس من الحدود مع جورجيا والتي تبدو أنها ترد على اهتمامه بالحذر المساوي، لكن علاقتهما الرومانسية، إذا ما دعوناها كذلك، تؤطرها وفي الواقع تسحقها الفخامة القاسية للجبال المحاطة بالغابات والأمواج المتكسرة وصمت الثلج.وهذا لا يعني أن سمو المشهد الجميل مستخلص من سايكولوجيا الشخصيات بالضبط، لكن استعمال العالم الطبيعي لجلب حس بالمعنى غير المصرح به لأفعالها هو الوجه الممتع لفيلم "الخريف".إن ثيمة الفيلم حول الندم والعاطفة الماضية والرغبة غير الموجهة تظهر تأثير بيلغ سيلان سفير تركيا إلى دائرة المهرجان العالمي، لكن طاقته الإبداعية تكمن في الطريقة التي يمسك بها الطبيعة. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن فيلمين صورا في أمريكا الجنوبية: "حليب الأسى" من بيرو للمخرجة كلوديا يوسا والآخر "مراقبو الطيور" التي تدور أحداثه في البرازيل وأخرجه "ماركو بيكس" وهو مخرج إيطالي من أصل تشيلي، وكلا الفيلمين يتعاملان بطريقتهما الجادة واليقظة والمنظمة أحياناً بمعاناة الهنود الحمر، في فيلم "حليب الأسى" امرأة شابة هاجرت عائلتها إلى ليما من الهضاب في فجر العنف السياسي المخيف، تعمل كنادلة كي تكسب مالاً كي ترجع أمها إلى بيتها في الريف كي تدفن، ولكي تقاوم الاعتداءات الجنسية تقوم بوضع بطاطا في مهبلها وهذا الاكتشاف من قبل طبيب يسبب صدمة أقل مما تتوقع في الأقل على الشاشة، لكن بغض النظر عن هذه المفاجأة فإن الوجه الأكثر امتاعاً لهذا الفيلم هو رحلة الاستكشاف المثيرة لبلدات ليما الرثة وأسواقها. فيلم "مراقبو الطيور" بدوره يدور بصورة كبيرة حول الأرض التي تقع أحداثه فيها- منطقة من الأمازون حيث الغابة تفسح الطريق للحقول والمراعي وقد تم استبدال السكان الأصليين من قبيلة "الغواراني" برعاة الماشية والمزارعين- ونزاعه الدرامي يلخص بإطلاقات نار في الهواء تظهر الحدود الهشة بين البرية والأرض المحروثة.القصة حول النزاع بين ملاك أراض ومجموعة السكان الأصليين من الغواراني الذين يعيشون على جزء من هذه العزبة، القصة قوية على الرغم من أن بعضاً من الأدوار الميلودرامية لها سطحية، لكن كونها مقطوعة، يمكن أن يدعى بالواقعية الجغرافية، مستغرقة في التفاصيل الجسدية والإنسانية لمكان معين، فإن الفيلم هو اكتشاف بمعنى الكلمة.إن الصدام الحضاري في فيلم "مراقبو الطيور" شديد وعنيف ولكن التوتر بين الحداثة والتقليد وبين المدينة والريف يكمن تحته عدد مروّع من الأفلام في برنامج "مخرجون جدد". وبينما يعالج فيلم "حليب الأسى" استبدال الناس الريفيين ببيئة مدينية، تصور الأفلام الأخرى الرحلة المعكوسة كساكني مدينة يفرون أو يتجولون في الريف.المرأة الهولندية الشابة في فيلم "تستطيع أن تخترق الجلد" للمخرج "إيستر روتس"، التي تغادر أمستردام من أجل منطقة ريفية في الأراضي المنخفضة، العلماء السوفيت في فيلم "جندي الورق" للمخرج ألكسي جيرمان منفيون إلى قاعدة في الشقق المقمرة في كازاخستان؛ التوأمان يتسكعان حول الحدود الفرنسية الأسبانية في فيلم " أعطني يدك" للمخرج باسكال ألكس فنسنت؛ حتى المهاجر المشتغل بالأنترنت الذي يهجر وادي السليكون إلى مزرعة للتفاح في فيلم "نعيش عموماً" للمخرج أوندي تيمونر؛ كل أبطال هذه الأفلام مثل بطل فيلم "الخريف" يجدون أنفسهم في الحركة النابذة لكل من راحة الحياة المدينية وضغوطها القاسية سيكون الأمر مبالغاَ إذا ما استنتجنا من كل ذلك بأن هناك حركة للرجوع إلى الأرض في السينما العالمية، لكن في السنين الأخيرة ثمة اتجاه في الفيلم للعودة إلى المشهد الطبيعي وهو واضح في المهرجانات السينمائية من "كان" إلى "صندانص" وبالأخص بين صفوف السينمائيين الشباب، إن الافتتان بالعالم الطبيعي – الذي يبدو لأول وهلة هشاً وثابتاً، غريباً بشكل منفر ومعروفا على نحو حميمي- هو استجابة واضحة لمساكننا بالغة التمدن والمشبعة بالتكنولوجيا والمعولمة وهروب منها.إن الدافع لتحويل الكاميرا نحو الأشجار والجبال والأنهار وامتدادات الصحارى تعوض عن الرغبة للهدوء والسكينة وكذلك السمو والفخامة والسلطة، دائماً ثمة بعد من التأييد أو الدفاع في تأمل الطبيعة واضحة في كل من فيلمي "مراقبو ال
برنامج "مخرجون جدد/ أفلام جديدة": المدينة مرض والطبيعة بلسم

نشر في: 6 يناير, 2010: 06:00 م