TOP

جريدة المدى > عام > المركز والهامش في عالمٍ معولم..القسم الثاني من الحوار مع الروائي الكيني نغوغي واثيونغو

المركز والهامش في عالمٍ معولم..القسم الثاني من الحوار مع الروائي الكيني نغوغي واثيونغو

نشر في: 2 سبتمبر, 2015: 12:01 ص

* منذُ أن بدأتَ الكتابة بلغة ( غيكويو ) ، هل استشعرتَ مرّة تغيّراً في توجّهات القرّاء غير المعتادين على استبدال سوق الكتاب الإنكليزيّ التقليديّ الواسع الانتشار بآخر أصغر وأكثر محليّة وأقلّ انتشاراً بما لا تجوز معه أيّة مقارنةٍ ؟- عندما شرحتُ موقفي تج

* منذُ أن بدأتَ الكتابة بلغة ( غيكويو ) ، هل استشعرتَ مرّة تغيّراً في توجّهات القرّاء غير المعتادين على استبدال سوق الكتاب الإنكليزيّ التقليديّ الواسع الانتشار بآخر أصغر وأكثر محليّة وأقلّ انتشاراً بما لا تجوز معه أيّة مقارنةٍ ؟
- عندما شرحتُ موقفي تجاه كلٍّ من الإنكليزيّة واللغات الإفريقيّة على صفحات كتابي )تفكيك استعمار العقل Decolonizing the mind عام 1986) قوبلتُ في بداية الأمر بسخريّة مريرة وعدوانيّة متعجرفة من قبل بعض الأوساط ، لكنّي أرى اليوم انزياحاً في التوجّه ، وربّما لم تلقَ آرائي حتّى اليوم قدراً معقولاً من القبول لكنّها باتت في الأقلّ تلقى اهتماماً أكبر ونقاشاتٍ جادّة ، وأستطيعُ القول بثقة أنّ كتابي ذاك هو في رأس قائمة مساهماتي الفكريّة حتّى اليوم .
* أذكرُ في روايتك ( النهر الذي بينهم ) الكرب العظيم الذي عاناه البطل (واياكي) وهو يرى نفسه مُجبراً على الاختيار بين زوجته المسيحيّة والمرأة غير المسيحيّة التي تنتمي لمجتمعه المحلّي ، وظلّت هذه الثيمة طاغيةً في كلّ أعمالك : أن يظلّ المرء مخلصاً لمجتمعه المحليّ ويظلّ وفيّاً وملتزماً بتقاليده الرّاسخة . هل جابهت في يومٍ ما - ككاتبٍ - أمراً مثل هذا الذي تحكي عنه في أعمالك وبما استوجب انفصالك عن جماعتك المحليّة ؟
- نعم حصل بالطبع ، فأنا - كأيّ كاتب آخر - ينبغي لي أن أنفصل بما يكفي عمّا أكتبُ عنه لكي أرى الأمور بشكلٍ أكثر دقّة ووضوحاً ، ولكنّ هذا الانفصال ذاته نوعٌ من الحالة التي تقود إلى زيادة لحمة الارتباط الأوّليّ : ينبغي لكلّ كاتبٍ - أو فنّانٍ - أن يسبح في النّهر ولكن ينبغي له بذات الوقت أن يجلس على ضفة النهر لكي يرى الماء يجري أمام ناظريه !! أرى نفسي نتاجاً لمجتمعٍ ما وأحبّ دوماً أن أساهم بشيءٍ ما يشاركُ في الارتقاء بذلك المجتمع .
* ألا ترى في فكرة كون الكاتب ( بعيداً ) أو ( لامنتمياً ) بالنسبة لمجتمعه فكرة غريبة وغير مفهومة حيث تسودُ الرؤية القائلة بأنّ الكاتب ينبغي له أن يتبنّى رؤى انعزاليّة وتسكنه على الدوام مفاهيم متشائمة بشأن دوره في مجتمعه؟
- ( أن تكون بعيداً لكي ترى بطريقة أكثر وضوحاً ) مفهومٌ يتقاطعُ تماماً مع النزعة التشاؤميّة ، وبهذا المعنى فإنّ كون الكاتب بعيداً عن مجتمعه ليس بالضرورة مفهوماً غربيّاً ، ولطالما احتوت خزانة حكايات الشّعوب على رواياتٍ الأنبياء الذين توجّب عليهم الانسحاب إلى البريّة أو المكوث في الجبال ليعملوا هناك كوسطاء مخلّصين لمجتمعاتهم . هؤلاء هم ( الراؤون Seers ) في المجتمع ، والكاتب راءٍ في مجتمعه وينطوي على خصوصيّة فريدة للغاية . إنّ تأسيس الحياة البشريّة على قاعدةٍ انعزاليّة لهو تأكيد للرؤية الهوبسيّة للحياة ( نسبةً إلى الفيلسوف ثوماس هوبس ، المترجمة ) وأرى في هذه الرؤية أمراً برجوازيّاً أكثر من كونه عنصريّاً .
* هل يمكن لجماليّات العمل الأدبيّ - التي هي أمرٌ محمودٌ ومرغوب فيه على الدوام - أن تجعل الكاتب على تماسٍ مع عالمه ؟ هل أنّ "الجّميل" في الأدب يمكن أن يُعيد ارتباط المرء بمجتمعه عوضاً عن دفعه بعيداً عنه ؟
- لاتعملُ الجماليّات في فراغٍ مجتمعيٍّ ، والمفهوم الجماليُّ للحياة هو نتاجٌ للحياة ذاتها التي يعملُ المفهوم الجماليُّ على عكس صورتها لاحقاً . الزهرة الفائقة الجمال مثلاُ هي نتاجُ البيئة التي أنتجتها على الرغم من أنّ الزهرة بذاتها هي مؤشّرٌ عظيم الأهمّيّة لهويّة مجموعة النباتات التي تنتمي لها الزهرة أو حتّى للنبتة المفردة التي نشأت عنها . إنّ الزهرة ، ذلك التكوين المعقّد ، تحتوي على البذور التي تضمن استمراريّة النبتة وبذا ستغدو الزهرة بعد حينٍ ماضياً في ذات الوقت الذي تخلق فيه جيلاً مستقبليّاً جديداً من الأزهار.
* قرأتُ مرّة عن انطباعات ماركس بخصوص نمط الحياة التشاركيّة التي تحياها قبائل هنود ( الإيروكواس * ) ، ورأى ماركس أنّ ذلك النمط من الحياة غير ملائمٍ لطريقة الحياة الأوروبيّة لأنّ الأرض والموارد كانت توزّع على أعضاء الإيروكواس بالتساوي المطلق ، وقد أطلق ماركس على هذا النمط من الحياة ( النمط البدائيّ للحياة التشاركيّة ) رغم أنّها كانت تحمل بعض سمات نظريّاته هو والتي كتب عنها كثيراً . ليس في قدرتي إلّا أني أندهش لحجم سوء الفهم بين أوروبا / الولايات المتحدة مجتمعين وبين العالم الثالث فيما يخصّ مفردة ( جماعة Community )هلّا شاركتنا رؤيتك بشأن هذه الجزئيّة؟
- لا أظنُّ أنّ ثمّة عالما ثالثا متجانسا في مقابل نزعة يورو - أمريكيّة متجانسة ، و طالما كانت ثمّة طبقات في المجتمع - ايّ مجتمعٍ - فإنّ هذه الطبقيّة خليقة بنشوء صراعاتٍ بشأن الرؤى المتباينة التي ترى بها هذه الطبقات العالم ، وفي عالمٍ مقسّمٍ إلى أقلّية من الأمم التي تتحكّمُ بالأكثريّة من الأمم لا أرى سبيلاً لتجاوز الحالة الصراعيّة بين تلك الأمم .
* لطالما أكّدت في أحاديثك أنّ الجماعات المهمّشة يمكنها إعادة إكتشاف ثقافاتها من خلال لغاتها الأصليّة لا تلك المفروضة عليها من القوى الكولونياليّة ، ويبدو أنّ هذا الفعل ينطوي على إزاحةٍ للمركز بعيداً عن القلب الإنكليزيّ أو الغربيّ وباتّجاه أن يكون ذلك القلب في أحد الهوامش . ألا ترى أنّ تلك المقاربة تحملُ في طيّاتها خطر تهشيم فكرة الإمكانيّة المبدئيّة في تهجين الثقافات والهويّات؟
- تحدّث ( إيمي سيزار ** ) بطريقة مشرقة عن التلاقح الثقافيّ وعدّه الأوكسجين المغذّي للثقافات ، ولكنّ ذلك التلاقح يختلف جوهريّاً عن تمرير الثقافة باتجاه واحد ولوقت قصير فحسب وهو ما يمكن عدّه أوّل أوكسيد الكاربون القاتل للثقافة !! . تتأسّس فكرة التبادل الثقافيّ على المساواة الثقافيّة وتستهويني فكرة رقص المراكز الثقافيّة مع بعضها بحيث تكون جميعها على مسافة واحدة من المركز الإنسانيّ ، و أقصد بفكرتي تلك أن تقع المراكز جميعها على محيط دائريّ يتّسمُ بالعدالة و المساواة وعندها تساهمُ المراكز جميعها في تغذية المركز الإنسانيّ وتتغذّى هي منه في الوقت ذاته.
* كيف ترى المشاكل الخاصّة بتعريف موضوعة الهويّة الذاتيّة في الولايات المتّحدة ؟ وما ترى في قناعة الكثيرين بوجود شرخٍ محتّم بين ثقافة الجّماعات الإثنيّة من جهة وبين ثقافة الولايات المتّحدة من جهة أخرى ؟ وهل ترى في الهويّة الذاتيّة إشكاليّة تضافُ إلى سلسلة الإشكاليّات المعقّدة - مثل الّلغة و الاتّصال - السائدة في الولايات المتّحدة ؟
- أرى في الولايات المتّحدة مشهداً مدهشاً للغاية : فالمرء يرى كلّ الأديان ، وكلّ الثقافات ، وكلّ اللغات ، وكلّ الإثنيّات ، ولكن ثمّة اتّجاه لحشر ذلك المشهد تحت يافطة ( وعاء الصّهر الأعظم ) ( إشارة إلى الولايات المتّحدة ، المترجمة ) . إنّ تعايش كلّ تلك الهويّات معاً وانبثاق الهويّة الأمريكيّة الجامعة ينبغي أن ينظر له كعنصر قوّة لا ضعفٍ ، وهذا هو بالضبط ما ينبغي أن تصدّره أمريكا إلى العالم عوضاً عن القنابل.
* الايروكواس Iroquois : تسمية لرابطة قبائل من الأمريكييّن القدماء والتي اتحدت في منطقة البحيرات العظمى ، وتشكّلت من خمس قبائل هي الموهوك، أونايدا، أنونداجا، كيجا، وسينيكا ، وقد اتحدت هذه القبائل في القرن الثاني عشر وأسّست كونفدرالية ، ثمّ انضمت اليهم قبيلة سادسة سنة 1720 وهي قبيلة توسكارورا . تعتبر رابطة الإيروكواس واحدة من أقوى التأثيرات التي شكّلت مفهوم الديمقراطية الليبراليّة الحديثة ، وكان موقع كونفدراليّة الإيروكواس قائماً حيث تقع اليوم مدينة سيراكيوز Syracuse بولاية نيويورك الأمريكيّة .( المترجمة)
**إيمي سيزار (Aimé Césaire) : شاعر وكاتب وسياسي أسود من المارتينيك ولد في 26 حزيران ( يونيو ) 1913 بباس بوانت بالمارتنيك وتوفي في 17 نيسان ( أبريل ) 2008 بعد صراع طويل مع مرض القلب . يعتبر إيمي سيزير أحد أبرز وجوه تيار " الزنوجة " في الشعر الفرنكوفوني ورمزا للحركة المناهضة للهيمنة الكولونياليّة ( المترجمة).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي
عام

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

د. نادية هناوييؤثر الذكاء الاصطناعي في الأدب بما له من نماذج لغوية حديثة وكبيرة، حققت اختراقًا فاعلا في مجال معالجة اللغة ومحاكاة أنماطها المعقدة وبإمكانيات متنوعة وسمات جعلت تلك النماذج اللغوية قادرة على الاسهام...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram