نسمّيه التحوّل ! نعم، هو تحوّل حقيقي، وهو ممارسة هزت كيان أحزاب الإسلام السياسي من أقوى نقطة فيه إلى أدنى نقطة، لكني لا أجد -النتائج ستكون ملموسة في القريب. ذلك لأن رئاسة الوزراء لن تتمكن من النظر إلى مطالب الشعب بعين خالصة بعيدة عن الضغوط التي تتعرض لها من داخل الاحزاب المشاركة ومن الخارج أيضاً. فضلاً عن صراع المؤسسات الدينية في النجف وقم، تلك التي يكون الحديث فيها مضمرا دائما، والتي تشكل واحداً من التعقيدات غير المُتحدث بها.
من خلال زاوية النظر هذه نجد أن مستقبل التظاهرات رهين قبول طرفي المعادلة، الحكومة بمشاريعها الفاشلة والشعب المحتج على سوء الأداء. لهذا فإن الحكومة ستخطئ كثيرا إذا تمادت في تجاهلها لمطالب الشعب، أو حاولت الالتفاف عليها بجملة إصلاحات لا تمسّ الجوهر، وسيُخطئ الشعب أيضا إن أحسن الظن بالحكومة، وأعتقدَ جازما بأنها جادة في الإصلاحات، لذا فالمعادلة صعبة، عصية على التحقق. وقد تنسحب إلى ما لا نود تخيله من مشاكل، ستعقّد من الوضع العراقي المعقّد بالأساس.
حتى اللحظة هذه، لا تبدو جملة (الإصلاحات) التي اتخذها رئيس الوزراء مقنعة للشعب، بل هي ليست مقنعة له شخصياً، وهو يُدرك ذلك جيداً، فهي ليست أكثر من لعبة مفضوحة لن تنطلي على الجماهير المطالبة بما هو أبعد من إقالة وزير أو تقليص وزارة أو غير ذلك. الجماهير وفي كل جمعة في ساحات التظاهر وعبر وسائل التواصل تطالب بوضوح بإقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود، لكن رئاسة الوزراء ما زالت تمرر ذلك وتتجاهله.
وفي جانب من القضية نحن نعتقد بأن تشعّب المطالب الشعبية وعدم تنظيمها بقائمة موحدة واضحة، تراعي الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها السيد العبادي، فضلا عن الظروف الموضوعية التي تحيط البلاد من جوانبه جميعا والخشية من حدوث فراغ سياسي(تشريعي وتنفيذي) كلها تسهم في تأخير عملية الإصلاح. ما تريده الجماهير المتظاهرة اكبر من قدرة العبادي على الاستجابة. نحن نعتقد على سبيل المثال بأن نزع فتيل الطائفية، وهو -جوهر المشكلة- إنما يكمن في منع الآلاف من الخطباء والأئمة والمتحدثين في المساجد والحسينيات والتكايا والمواكب، ويكمن أيضا في برامج عشرات القنوات الإعلامية، ويكمن كذلك في العديد من الممارسات الشعبية وفي المدارس العامة والخاصة والمناهج التعليمية وفي الثقافة المجتمعية وفي المضايف والدواوين والبيت وغيرها . ترى هل هناك من فكّر في ذلك. ما لم نبدأ خطوة التغيير داخل الروضة والمدرسة الابتدائية، ما لم نجعل من القانون سيفا حاسما في النتائج وما لم نصلح القانون والقضاء لن نصل إلى نتائج ملموسة في الاصلاح والتغيير.
هل بمستطاع السيد العبادي استخراج اللآلئ بعد الغوص في البئر العميقة الوسخة هذه. هل تدرك الجماهير المتظاهرة الحقيقة المرعبة، حقيقة عدم قدرة الرجل وحقيقة الصعوبة في مواجهته لذلك ؟ هذا هو السؤال. ثم هل نمتلك شعبا بثقافة علمية وموضوعية قادرة على التفريق بين ما هو واقعي وخيالي. بمعنى، هل تجاوز شعبُنا حدود تفكيره بـ (المقدس) الذي ظل يعتقد بقدرته على تحقيق الأمن والرخاء والمستقبل ؟
وأخيراً هل بلغت الجماهير المنتفضة بوعيها إلى أنّ خلاصها إنما يكمن في خلاصها من أحزاب الإسلام السياسي، أم أن الآلاف والمئات منهم ما زالوا يعتقدون بإمكانية التغيير على يد السيد العبادي، وهو العضو المتقدم في حزب الدعوة؟
التظاهرات: جدوى أم رهان خاسر؟
نشر في: 1 سبتمبر, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)
جميع التعليقات 1
أبو أثير
في بداية أيام أستيزار السيد العبادي لرئاسة الحكومة كتبت تعليقا مختصرا حول مدى نجاحه من عدم نجاحه في حينها ... وعلقت بشكوكي في نجاح العبادي في قيادة العراق والعراقيين الى شاطيء ألأمان وألأستقرار كون السيد العبادي هو أحد أعضاء حزب الدعوة المتقدمين والتأريخي