قبل حلول موعد رئاسته مجلس الحكم (السابق) في كانون الثاني 2004، زار الدكتور عدنان الباجه جي لندن التي أقام فيها من قبل، واتصل بي لالتقيه في بيته. فكّرتُ يومها أن لديه شيئاً ما ذا أهمية للنشر، لكن تبيّن لي أنه استدعاني لأمر آخر.
سألني الدكتور الباحه جي رأيي في ما إذا يرشّحني لأكون ناطقاً باسم مجلس الحكم متمنياً عليّ القبول، لكّنني شكرته وأعتذرت عن عدم تحقيق رغبته. أتذكّر أنني لم أكتف بالتعلّل بأن لدي عملي المستقر في صحيفة "الشرق الأوسط" مديراً للتحرير ومسؤولاً عن الملف العراقي، وانما زدتُ على ذلك بالقول: "دكتور، ما الذي يفعله الناطق باسم مجلس الحكم؟.. أنتم 25 شخصاً، أعرف أنكم مختلفون في آرائكم ومواقفكم، وستكون وظيفة الناطق باسم المجلس أن يبتسم للصحفيين ويقول لهم إن المجلس عقد اجتماعاته في جو أخوي حميم وأن الآراء كانت متطابقة والنتائج مثمرة.. دكتور لا أحب هذه المهنة".
كما هو دائماً كان الدكتور الباجه جي جمّ التهذيب ودبلوماسياً من الطراز الرفيع، تفهّم موقفي مع أنه تمنى عليّ أن أفكّر وأعيد النظر في قراري.
تذكّرت أمس ذلك الحديث مع الرجل الذي كنتُ ولم أزل أعتقد أنه كان الأجدر، بين الخمسة والعشرين، بمنصب أول رئيس للعراق في عهده الجديد.. تذكّرتُ وأنا أقرأ البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية بشأن اجتماع الرؤساء الثلاثة (النواب، الجمهورية، الحكومة) المنعقد أول من أمس.. إنه بيان من النوع الذي رفضتُ أن أصرّح بمثله قبل اثنتي عشرة سنة.. لا يقول شيئاً محدّداً ولا يعبّر عن شيء مفيد.. إنه يشبه السؤال الذي يطرحه المحامي على المتهم أو الشاهد ولا يقبل به رئيس المحكمة واصفاً إياه بأنه سؤال غير منتج.
نعم، البيان الرئاسي غير منتج، فهل كان الاجتماع نفسه غير منتج؟
لحظة انعقاد الاجتماع الرئاسي انتظر العراقيون بياناً يطمّنهم إلى أن مطالب المتظاهرين التي هي مطالبهم، وكلها تقريباً عادلة ودستورية وملحّة للغاية، ستكون مُجابة وأن قيادة البلاد العليا قد قرّرت اتخاذ الاجراءات الفورية لتنفيذ خطتي الاصلاح المقدمتين من الحكومة ومجلس النواب.
الاجتماع لم ينتج عنه شيء من هذا، بحسب ما أفاد به البيان الذي قال: "جرى خلال اللقاء بحث الوضع الأمني وملف الاصلاحات وسبل تقوية بناء الدولة والقضايا المتعلقة بانجاز التشريعات"، وأضاف: "عبّر المجتمعون عن دعمهم للخطوات العملية التي تحقق مصلحة الشعب العراقي في انجاز ما تمّ التصويت عليه بشأن الاصلاحات الحكومية والبرلمانية".
زاد البيان قائلاً: "أكد رئيس الوزراء على ضرورة أن تسير جميع الاصلاحات وتنفّذ وفق الدستور والقانون. كما تمت الاشادة بالعمليات العسكرية التي يقودها الجيش العراقي والأجهزة الأمنية وأبناء الحشد الشعبي والبيشمركة وأبناء العشائر في الأنبار وبيجي ومناطق متعددة من العراق".
وواصل البيان كلامه العمومي بالقول: "رأى المجتمعون أهمية انجاز التشريعات الأساسية ومنها قوانين الحرس الوطني والمحكمة الاتحادية والمصالحة الوطنية. كما أكد المجتمعون أن الجانب الاقتصادي والمالي يعتبر من أولويات الجهات التنفيذية والتشريعية التي يجري التركيز عليها في ملف الاصلاحات، مشددين على أن توفير الخدمات الضرورية للمواطن العراقي يقع ضمن الالتزامات الأساسية التي تسعى مؤسسات الدولة إلى تنفيذها".
ما الجديد في هذا الكلام؟.. ما المفيد؟ ما المنتج أو المثمر؟
لم أجد شيئاً يستحق أن نصفّق له.. مع هذا لا ضير في أن نقول لهم بعدما تجشّموا عناء الاجتماع: "يعطيكم العافية"!
يعطيكم العافية!
[post-views]
نشر في: 1 سبتمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ياسين عبد الحافظ
لكن يبقى سؤال،هل صحيح ان ما ذكر هو ماجرى؟ الجواب الحتمى هو كلا ،ولهذا فهم سياسيون وبحكم ووصف مهنتهم ،لا بد انهم تكلموا بشىء ما ، وبجرده بسيطة ، انت تعلم والجميع، المزاج العراقي فى الشارع والبيت والفيسبوك،فلا يمكن لعراقيين اثنين ان يلتقيا دون طرح موضوع ال