الكثير من العراقيين صدق اقامة "نظام ديمقراطي تعددي" لكن اداء الطبقة السياسية ،مع عجز الحكومات المتعاقبة عن توفير الخدمات الاساسية، رسخا القناعة في الاذهان بان الديمقراطية ، امتطاها الحزب الحاكم المتحالف مع قوى اخرى ، فأعادت البلاد الى الوراء بسرعة الضوء ، بالقضاء على ما تبقى من مظاهر الدولة ، بتناسل الازمات السياسية ، وبروز اكثر من مشكلة امنية مستعصية ، الاطراف المشاركة في الحكومة الحالية وعلى الرغم من خلافاتها الشائكة حول العديد من الملفات المتعلقة بتحقيق مكاسبها ، تتحمل مسؤولية الخراب ، حين وافقت على هيمنة الحزب الحاكم على السلطة ، فتجاهلت خطورة هذا التوجه ، مقابل ضمان ما يعرف بالتوازن ، وحقوق المكونات ، تحت خيمة التوافق ، بروز الخلاف حول مشروع قانون تشكيل الحرس الوطني ، يجسد بشكل واضح حالة انعدام الثقة بين الكتل النيابية ، فيما تشهد البلاد تحديات امنية خطيرة تتطلب بلورة موقف موحد لمواجهة الارهاب ، وتحرير المدن الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش .
الحكومة الحالية تبنت اجراء جملة اصلاحات تلبية لمطالب المتظاهرين ، جزء منها اخذ طريقه الى التنفيذ ، الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية والوزراء ، وتعتزم الحكومة في غضون الايام القليلة اصدار حزمة اصلاحات جديدة بالتنسيق مع رئاستي الجمهورية والبرلمان لضمان انسجامها مع الدستور ، بعض قرارات الاصلاح صادق عليها مجلس النواب ، لكن المتشبثين بنظرية الحزب الحاكم ، صدرت منهم مواقف ترفض تصحيح الخراب ، احد المبعدين من منصبه مازال يسخر فضائيته الحزبية لبث تصريحاته بوصفه يحتفظ بموقع نائب لرئيس الجمهورية ، يجتمع مع اعضاء حزبه ليحذر من تظاهرات المحتجين وتكرار سيناريو مخيمات المعتصمين في محافظة الانبار.
هل ثمة أمل في تجربة العراق الديمقراطية لإلغاء الحزب الحاكم ، لاسيما ان امينه العام مازال يمتلك حق اصدار الامر الحزبي ، لاستدعاء صانع القرار ليتلقى من صاحب الفخامة توصيات وتعليمات حزبية تفرض عليه قسرا ، لاتخاذ القرارات التأريخية .
يقال ان العراقيين القدماء ابتكروا " الخرخاشة " لعبة لاطفالهم ، نماذج منها وجدت في مواقع اثرية مصنوعة من حجارة باركتها الالهة ، اكتسبت صفة التقديس مع مرور الزمن ، فاستخدمت تعويذة لطرد الاشرار ، حملها الكبار والصغار من كلا الجنسين ، بدخول التكنولوجيا الحديثة ، وتوفر الالعاب الإلكترونية انقرضت الخرخاشة ، لكنها عادت الى الواجهة ، حققت حضورا في مناطق النزاع بالدول التي تشهد اضطرابات سياسية وامنية .
"خرخاشة" الحزب الحاكم في الوقت الحاضر، واكبت موجة ما بعد الحداثة فأصبحت فضائية تبث نشاطات الامين العام وخطبه التأريخية بوصفه رجل المرحلة ، مع اجراء لقاءات مع محللين سياسيين لتسليط الضوء على منجزاته ، وتوجيه اتهامات لخصومه ، لانهم كانوا السبب في زعزعة قناعة العراقيين باقامة نظام ديمقراطي تعددي يقوده ابو خرخاشة .
"خرخاشة" الحزب الحاكم
[post-views]
نشر في: 2 سبتمبر, 2015: 09:01 م