الخلاف العراقي يصعب حله، لانه غير مطروح على الطاولة كمشروع يواجه مشروعا مضادا، بل كلمات بعيدة عن معانيها، تخفي تحتها اكثر مما تظهر. المتشددون الموجودون خارج اللعبة وحدهم يمتلكون الصراحة المطلوبة، اما المنخرطون براغماتيا ونفعيا في لعبة المشروعية والدولة، فانهم يمتلكون درجة صراحة اقل، تعقد المفاوضات السياسية، وتهدر الدم.
ان الكلمات التي يستخدمها الساسة العراقيون، تخفي اكثر مما تفصح. فالاعتراض على الدستور مثلا، هو لف ودوران. لا تدري ماذا يريد المعترض بمطلب نسف الدستور. ضد اللامركزية ام ضد العمل النيابي كتعدد سياسي ام ماذا. ان العبارات البسيطة تصبح غاية في الغموض داخل التجربة العراقية. والامر اخطر من هذا، والكلمات خداعة جدا.
ويمكن ان نعود الى نموذج علاقتنا بالدول الغربية، وسنجد ان كل طرف عراقي يتمنى ان يتحالف مع القوى الكبرى، لكنه يعبر عن هذا بكلام غامض ومرتبك يتغير بسرعة. هو يريد القوى الغربية شرط ان تساعده ليبيد الطرف الاخر او يهيمن عليه. وفي سبيل هذا، لن ينزعج الطرف العراقي احيانا، حتى لو قام الغربيون بهدم خمس محافظات. وهكذا الموقف في الطرف الاخر من اللعبة الطائفية. اما حين تأتي القوى الغربية لتقول ان من المستحيل القضاء على طرف وابقاء الاخر منتصرا، وان من الضروري ان تشترك كل الاطراف لوضع اساس مرحلة انتقالية معقولة، فان هذا سيعتبر تآمراً على العراق. فالمطلوب من الغرب حسب هؤلاء ان يصطف الى جانب "الحق ضد الباطل" اي طائفة ضد اخرى، والا فانه سيكون بموقف مزيف وكاذب! لكن لا احد تساءل بما فيه الكفاية، الى اي درجة نصبح كذابين ومزيفين حين نرفض الاتفاقات في الداخل ونلجأ الى الخارج على هذا النحو ونستخدم عبارات متناقضة ونخفي اكثر مما نظهر، وحين يتدخل الخارج بشكل يعارض مزاجنا، يتعرض الاجانب الى اللعن والشتم.
لا يمكن للغرب حاليا ان يسمح لجيوش طرف بالقضاء على الطرف الاخر. وسيقوم الغربيون بمواصلة صناعة التوازن، وحينها سنتهم القوى الكبرى بانها تشجع الانفصال. لكن هذه القوى تردد: حاولوا ان تتفقوا، لماذا تفشلون؟ يمكنكم ان تتفقوا وتبقوا موحدين، واذا استمر انقسامكم الدموي فستتمزق بلادكم، لكن ليس من السهولة ان نترك دبابات طرف، تسحق الطرف الاخر لتخضعه عسكريا وسياسيا، بحجة ان الحفاظ على وحدة العراق هي امر مقدس!
كل كلامنا عن ضرورات المساعدة الغربية، سلبا وايجابا، فيه كلام مخفي اكثر من الكلام المعلن. ان لاوعي الاطراف السياسية يسير في مستوى واحد هو الابادة والهيمنة، ولا توجد قناعة بتسويات. وهذا اللاوعي يمنع حصول اتفاق. وبديل الاتفاق هو الاخضاع العسكري، وهذا امر لن تسمح به قواعد اللعبة الدولية بسهولة. ونخشى ان لا يبقى سوى حل اخير، وهو التقسيم.
وحين يتحدث احدهم عن التقسيم، تلاحقه الشتائم واللعنات. لكن المعادلة واضحة، وستتضح اكثر في المستقبل القريب... لا عراق موحد من دون اتفاق سياسي. وتاجيل الاتفاق يعني تصاعد الحرب والعنف. والغرب لن يسمح للدبابات ان تنفرد في فرض الحلول. مهما اتهمناه بتشجيع الانفصال حين يحاول منع الابادة بين القبائل.
ومن لا يعرف كيف يحرك قواعد السياسة، لا يمكنه الحفاظ على وحدة بلاد كبيرة ومعقدة. ان خارطة الطريق واضحة، اذا استخدمنا الكلمات في معانيها. وحتى هذه اللحظة يقوم السنة بإخفاء مطالبهم الحقيقية، ويراوغ الشيعة في عرض ما يريدون، وهكذا الاكراد احيانا رغم انهم اوضح طرف تقريبا، ونفشل في صوغ اتفاق داخلي، لان الجميع ينتظرون ماذا سيفعل الخارج، واي كفة ستميل، ويؤجلون الصراحة.
ان الكلمات التي تضمر ولا تفصح وتؤجل وتهمل، تقتل اكثر مما يقتل خطاب المتشددين المقيمين خارج لعبة السياسة، وداخل لعبة العنف العلني
كلام غير صريح
[post-views]
نشر في: 2 سبتمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
ليش العر اق مامقسم الان يااستاذ سرمد
د عادل على
المساعدة الحقيقيه لا تاتى الا من الغرب وروسيا------الغربيون والروس يشترطون ضمان سلامة خبرائها ومتخصصيها وهدا غير مضمون بسبب الداعش والارهاب البعثى------- ادن الطريق مسدود امام الوفود الاوروبيه وهناك حلقه شيطانيه التى يجب الخروج منها----------ادا وافق م