TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > براعة تعابير اللون وسُبل التجريب..في مفتتحات أعمال الفنان التشكيلي (محمد فتّاح)

براعة تعابير اللون وسُبل التجريب..في مفتتحات أعمال الفنان التشكيلي (محمد فتّاح)

نشر في: 5 سبتمبر, 2015: 12:01 ص

 قد تتعدى مهام النقد -بدوافعه المرهونة باتجاه إعادة ترتيب الوعي- إلى نحو يضيء توضيح مقاصد نفسيّة وأخرى وجدانيّة تتعلق ببيئة الفنان وتقديراته الحسيّة في رسم نواتج وعيه وتحديد قياساته التفاعليّة ما بين دواخله وما بين المُحيط والبيئة التي يحيا فيها

 قد تتعدى مهام النقد -بدوافعه المرهونة باتجاه إعادة ترتيب الوعي- إلى نحو يضيء توضيح مقاصد نفسيّة وأخرى وجدانيّة تتعلق ببيئة الفنان وتقديراته الحسيّة في رسم نواتج وعيه وتحديد قياساته التفاعليّة ما بين دواخله وما بين المُحيط والبيئة التي يحيا فيها وينتمي إليها.

 

وقد يبدو هذا التقديم،أو التعميم-بشكل وآخر-أمرا بديهيا،بل يكاد أن يكون عاما،أذا ما بقيت مدارات أنظارنا وشواغلنا التقيميّة والنقديّة تدور -محصورة- في دائرة ضيقة لا تتعدى النظر إلى اللوحة أو العمل الفني،إلا بحدود التقابل الحاصل ما بين الذات المُنتجة له(أي العمل الفني)أو لها(أي اللوحة)-والفرق بين الاثنين واضح وكبير-وما بين خلاصات ما يهدف الفنان المثقف والواعي والمُستشرف لدواعي دوره،وصراحة ونبل موقفه في الحياة والفن معا،وعلى حد سواء- كما نلمح و نلمس ونرى ذلك في مقومات تجربة الفنان التشكيلي(محمد فتّاح-تولد السليمانية 1965)- الممتدة الى أكثر من ربع قرن من الوضوح والنضج الفني والفكري،من خلال تبنيه لأفكار ورؤى شاخصة على نحو أبعد وأعمق من مجرد التعويل على مهاراته الإدائية وملكات مواهبة،وفق معايير توافر صدق ذلك الشرط المُنسجم والمُتفاعل مع الذات،ومع قيمة الموضوع ،ومع براعة وبلاغة التعبير،ومع سبل وصياغات ما أنتّجته ذائقته وثقافته من جراء ديمومة فعل التجريب لديه كنسق مستمر وقائم في سياقات عموم أعمال(محمد فتّاح/دبلوم معهد الفنون الجميلة-السليمانيّة 1985وبكالوريوس فنون من جامعة السليمانيّة 2009)،بعد تناوب نشاطاته واجتهاداته في عدة مجالات ومقترحات،بَرعت كلها تصبّ في مجرى الفن التشكيلي من رسم متنوع المجالات والاتجاهات في المجلات والكتب والإشراف على دار أطفال الأنفال،ومن تخطيط وكاريكتر وملصقات وإشراف على مطبوعات،وصولا إلى مهام إدارته-كمدير عام-لشؤون الثقافة والفنون والرياضة والشباب في السليمانية.

غنائية اللوحة وأناشيدها
تتحدّ رسومات (محمد فتّاح) مع مقومات عديدة في مجمل مقاصد ومرامي ما يريد ويسعى،حيث تفيض لوحاته بروح غنائية عذبة،طريّة تسمو غارقة بتنامي وحداته نحو صفاء داخلي يزيد من وهج براعة اللون كمحرك عاطفي-وجداني كما يثير الحركة والاحتشاد من خلال ديمومة الفعل ونصاعة وصراحة اللون الباذخ المُستل من مباهج وحقول كردستان العراق،والمنتمي لروح وطبيعة نسق التفكير الذي بات يفرضهُ (فتاح)-والذي شاء لنا معانية ومتابعة تدّفق ونضوج تجربته ،منذ قرابة عقد وأكثر،حتى تكلّل ذلك بتسجيل حلقة مهمة جدا معه في برنامج حمل عنوان(تكوين/تجارب من الفن التشكيلي العراقي) لحساب قناة السومرية الفضائية في 21نيسان-2007 بوعي مفتوح وتعامل مدروس،نتجت عنه ملامح أسلوبية خاصة بتجربته وخلاصة نواتجه التي تواثبت من خلال عشرة معارض شخصيّة،يعود أولها الى العام/1987،إلى جانب أكثر من ثلاثمئة مشاركة جماعية في كردستان والعراق وخارجه،ومنها توزعت أعماله المُقتناة في العديد من دول العالم منها (كندا/ أمريكا/ مصر/ إيران/ بلجيكا/ النمسا/هولندا/ اليابان/ النرويج/ إيطاليا/ بريطانيا/ الهند/ فلندا/المانيا/ وفرنسا التي حاز فيها على الجائزة الأولى في معرض ضّم أكثر من ثلاثين مشارك وبوجود نُقّاد الفن من أيطاليا وفرنسا.
وإذ نستعيد بعض هذه الاستذكارت،إنمّا لكي نُعبّد الطريق إلى ما وصلت إليه خوالص تجربته،متمثلةً بمجموعة ناضجة وبارعة زادت من أثر حوافر ترسيخ حضورها وفرض مكانتها الموضوعيّة والفنية، بمحاذة وعي ظل مخلصا،ومنتمياً لبهاء وجمال ما يسكن عقل وروح وقلب(محمد فتاح) من جملة ما تَحفل به لوحاته من تناسق وتتداخل وتعاشق وتنامي حُرّ لوحداته داخل مساحة اللوحة الواحدة،القادرة على استيعاب الكثير من المفردات والتنويعات الإدائية،والتقاربات اللونية والتباهي اليقظّ في خلق محافل البهجة ولوعات الحزن معا،في داخل ذلك الإطار الذي يُلزم لوحته في أن تكون متفرّدة وخاصة بالعوالم والأفكار التي يقترحها ويسعى بالوصول إليها،بتماثل وعي وخصوبة خيال وسعادة تعبير ولغة تجريب وتجريد متقدمة على الكثير من أقرانه وزملاءه في حيثيات المعالجة والطرح،وصولا لعموم معاملات اختياراته وليونة خطوطه وعذوبة غنائياته،حين تتحوّل إلى جوقة تؤدي أناشيدها اللونية بإنسجام وتوادد فرح غامض،يثير من شهيّة المُشاهد لمعرفة المزيد مما أرادت أن تبوح به لوحات هذا الفنان.
الجُزء.. و ظلال التفاصيل
اتسمت المجاميع الأخيرة من أعمال(محمد فتاح)-المغرم بالتعامل في توريد وتوصيل أفكاره ومحاسن رؤاه،من خلال مادة(الأكريلك)بسبب مطاوعيها وسرعة جفافها فضلا عن اقلام الشمع واللصق(الكولاج)- بدفء من تداخل حيّ ما بين الجزء ككيان مستقل،رغم انه لا يجد نفسه إلا بوجوده التشخيصي مع مجموعة من تفاصيل وتوثيقات مثيرة لشواخص(فكَرات) آدمية شاء لها أن تتواحّد في صلب أنساق ذلك التفكير الذي يعوّل الفنان فيه على تمتين العلاقات مع بعضها،رغم هيمنة الشخوص أوالهيئات المحوّرة عن أصلها والسائرة باتجاه ملء أكبر مساحة في اللوحة التي عادة ما يكون (الفكَر) فيها ماثلاً مهيمناً-كما ذكرنا- لوحده،إذ نادرا ما نلمح أو نجد وجوداً لشخصيتيّن في ملاك تلك الأعمال الضاجة بالحركة والحيويّة والتفاصيل المتداخلة والمتوزعة على أجساد(فكَراته) بهذا الدفق والتلاحم الذي يحاول(فتّاح) فتح منافذ أخرى من أجل تثوير لوحاته وتحريك أبطاله على نحو يقرب من تخيلات ما تركته فينا شخصيات وهيئات مُستلة من ملاحم و أساطير كنا قد قرأنا عنها أو شاهدناها في الكُتب وشاشات السينما،بيد أن ما يرسمه الفنان-هنا- يقع في إطار فهمه وتبنيه لأجواء ومناخات البيئة الكرديّة ومتعلقاتها وطبيعة شموخ وقوة تلك الشخصيات المحوريّة في مرامي وأفلاك ما يفكر هو،عبر السعي لجعلها مرتكزات ونقاط جذب لبقية الأجزاء المحيطة بظلال التفاصيل التي يبتكرها على شكل أسماك أو طيور أو كائنات أخرى جرى تحويرها،لكي تلائم المناخ العام للوحة،ولكي تجعل من اللون يتحرك وينبض-كما هي طريقته في أغلب مهارات تجربته - فاللون لدى(محمد فتّاح) هو المفصل الأساسي والعمود الفقري الذي يبني عليه تصوراته، بحكم دوافع أكاديمية رصينة خاض غمارها من خلال تمرّسات رسمه للطبيعة والوجوه (البورتريهات) منذ بدء حياته التشكيليّةعبر الإعلان عن اسمه رسّاماُ مقتدراً ومتمكناً من أدواته التعبيريّة والتنفيذيّة،وصولا إلى ما هو عليه -الآن- في رحاب التجريب ومحافل التجريد الزاخرة بتويعات لونيّة حارة وصريحة تارةً،وفي تارات أخرى يمتل الى تمهيد درجات اللون بما ينسجم ويتلاءم وتلك التضاريس الخاصة التي يبتكرها بحس خالص ووعي متقدم يزهو بإهتمام وتركيز واعتناء بأدق التفاصيل التي تمنح لوحاته حياةً وحريّةً ونبضاً وحيوية طاغية،تلك التي مهدّت وحفرت عميقاً بهواجس وتطلعات وهموم (محمد فتّاح) الإبداعية على هذا النوع الواثق من التميّز والانفتاح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram