مناجيات مع هيرمان هيسة 7
معلمنا هيرمان هيسه : تتحدث في روايتك الاولى ذات النزعة الرومانتيكية ( بيتر كامينتسيند) عن عنصرين مهمين :- عنصر الموت وعنصر الحب ، وتؤكد في روايتك ( لعبة الكريات الزجاجية) على أفق أكثر اتساعا يتخلله التأمل الهندي ومبدأ (الين واليانغ) من الفلسفة الصينية وترجح مبدأ القطبين المتقابلين في الفكر الشرقي بينما تتأثر بفلسفة القديس فرانسيس الأسيزي فتمنح أعمالك مسحة صوفية في موضوع أخوة الكائنات والانسان في الحب وإمكانية انسجامهما لكن عمى الحضارة أدى بهما الى التنافر.
عندما تقف إزاء محنة الحضارة في القرن العشرين، تنعى حياة البشر المحشورين بين عصرين ، الموجودين خارج كل أمان وبراءة وكأنك تنعى شعوبنا المحصورة بين القرنين العشرين والحادي والعشرين ، هؤلاء الذين يعيشون كل لغز القدر البشري الذي تصاعد حتى درجة العذاب الشخصي – الجحيم الشخصي.
تصف في روايتك (ذئب البراري) حضارة القرن العشرين بأنها حضارة مؤقتة وكأنك تتحدث عن فوضى ما بعد الحداثة فمعها تمثل الفنون والفكر حالة بائسة مفككة مقارنة مع حضارة حقيقية ، تتساءل :
- هل أن كل ما أرهقنا رؤوسنا به من فكر وفن نحن الحمقى المساكين- لم يكن سوى سراب؟؟
أليست هذه نظرة أقرب إلى العدمية المفرطة في انفصالها عن تيار الحياة الحيوي؟
- للأسف أن كتابي (ذئب البراري) هو أكثر كتبي عرضة لسوء الفهم ، فقد تبناه البعض ممن رأوا في انفسهم شبها بذئب البراري ، متناسين انني قدمت في الكتاب أزمة الانسان الذئب باعتبارها مرضا وأزمة حضارة – ومقابلها قدمت اطروحتي التي تناقش مسائل الروح والفنون والفكر والاشخاص الخالدين ،هذه الاطروحة التي تقابل معاناة ذئب البراري بعالم خصب من الايمان السرمدي بالحياة والجمال..
- لكون الكتاب مفعما بالروح الشعرية فهو قابل للتأويل وسوء الفهم بطرق مختلفة .
- نعم هذه مشكلة الكتابة الشعرية التي تعكس الكثير من سوء الفهم والالتباس .
- يقول ذئب البراري: في هذا العصر الممل المجنون من فرط العمى الروحي، هذا العصر بطرازه المعماري وتجارته وسياساته ورجاله ،كيف لي ان لا أغدو ذئبا متوحدا ،وناسكا غريب الأطوار وأنا لا أشارك هذا العصر هدفا واحدا من أهدافه..؟
- هو يؤمن بأن البشر في معظمهم خلقوا للحياة وليس للفكر ، وان من يفكر ومن يتخذ الفكر عملا له فإنه يقايض الأرض الصلبة بالماء وسيغرق ذات يوم ، هذا العالم وجد للحياة الزائلة العابرة .
- لكنه سيقابل المرأة – القدر – المصير هيرمينا وهو موشك على الهلاك ، تفتنه تلك الفتاة الجميلة الذكية وهو لا يعرف حتى اسمها ، وتلعب معه لعبة قدرية ، وتقول له خمن من أكون ..
- لأن المرأة هنا تمثل المصير المتربص الذي يسحب الرجل الى كل ما هو جميل وهش وممتع وسريع الزوال ، تسحبه من عالمه واهتمامه بالأفكار وموسيقى موزارت لتعلمه الرقص على موسيقى الجاز التي تمثل سمة عصر الانحطاط، وتدعوه لنيل الملذات العابرة فهو انسان قبل كل شسء وعليه أن يبتهج بالطعام الجيد وصحبة النساء والرقص وينسى لبعض الوقت معاناته الفكرية.
- وهل استسلم للدعوة ؟؟
- أجل انصاع وهو يصارع عاداته في العزلة وسماع موزارت وباخ ، وصارت هيرمينا تأمره وينفذ أوامرها ، إنها تمثل روح العصر المتردية الواعية لبساطتها وحاجاتها البدائية : الطعام والجنس والصحبة.
- أهذا قدَرُه ؟؟
- بل تلك محنته.
يتبع