بحلول صباح اليوم 7 ايلول يكون مر شهر بالكمال والتمام على الحزمة الاولى من الاصلاحات العبادية. بدأت عاصفة لكنها انتهت بأخف من نسمات تموز الشحيحة!
فبعد اسبوعين من التظاهرات التي انطلقت في البصرة وذي قار وامتدت لاحقا الى عدد من المحافظات، دخلت مرجعية النجف العليا على الخط وحسم الموقف بشأن التعامل مع التظاهرات، واضعة حدا لتردد الحكومة الغارقة في اولويات "الورقة السياسية"، والازمة المالية، وفواتير تحرير الاراضي من الارهاب.
صباحا، في مثل هذا اليوم من الشهر الفائت وقبل ان يتناول اغلبنا افطاره او يرتشف قهوته، شعر اغلبنا بمفاجأة العبادي وحزمة اصلاحاته الجريئة التي اعلنها مع ساعات الفجر الاولى. الكل حبس انفاسه حينها، هل من المعقول ان يصدر كل ذلك من العبادي؟!
بعد ساعات من استيعاب الصدمة، ظل الارتباك سيد الموقف يومها. ماذا تعني هذه الاجراءات؟ هل هي استجابة لتظاهرة البصرة واحتجاجات الكهرباء التي راح ضحيتها الفتى منتظر؟ ام هل هي رد على تعنت البعض امام احتجاج موظفي السكك وشركات التمويل الذاتي؟ اصلا هل هذه اصلاحات ام التفاف على الاصلاحات التي لم يملك "الحراك الشعبي" رؤية واضحة بشأنها!
خرجت ورقة رئيس الوزراء بعدة محاور، لكنها صدرّت بقرارات كانت لها فعل المورفين. لقد كانت الورقة الاصلاحية من الذكاء بمكانة عندما وضعت اقالة نواب رئيس الجمهورية على رأس بنودها الاربعة.
لم يصبر البرلمان سوى يومين ليزيد الطين بلة بورقة اريد لها ان تكون "خط صد" متقدم امام اي اندفاعة يقدم عليها العبادي لضرب المعادلة المتحكمة بالعملية السياسية منذ 2003.
قيل وقتها ان الورقتين متكاملتان، وان البرلمان والحكومة "ايد وحدة" لتنفيذ الاصلاحات. لكن الايام التي تلت "التصويت" في مجلس النواب كشفت انها بداية لامتصاص زخم الاحتجاجات اولا، والالتفاف على اندفاع العبادي الذي اصبح النجم الاول في شباك العملية السياسية. هل كان حديث زعيم كتلة سياسية بارز عن انقلاب ابيض ينفذه رئيس الحكومة تحت يافطة الاصلاحات، مجانيا؟!
صدر العبادي ورقته بالاستناد على المادة (78) من الدستور التي تنص على ان: "رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بادارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق باقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب". ورغم ذلك فان الكتل، التي مررت الورقة بتصويت شبه تاريخي، بدأ بعضها يشهر الدستور بوجه هذه الاصلاحات، فيما القت كتل اخرى بالقوانين الخلافية في طريق العبادي الذي بدأ يتحدث عن تفويض شعبي على الطريقة السياسية.
هنا وقع القوم في حيص بيص واختلط الحابل بالنابل ودخلت الاصلاحات ثقبا اسود اسمه "التسييس"، وهي منذ ذلك اليوم تدور في حلقة مفرغة بين العبادي وخصومه والنتيجة ان الحال بقي على ما هو عليه.
لقد اكتفى جمهور الاحتجاجات من الاصلاحات بمجرد الاطاحة بـ"الثلاثي الذهبي"، ولم ينشغل بصياغة ورقة مطالب "واقعية ودستورية"، ولم يهتم ببلورة قيادة فعالة للتنسيق مع باقي المحافظات. حينها انفتحت مخيلة ساحات الاحتجاج لقوائم من المطالبات لها اول وليس لها آخر، تبدأ بمحاكمة فلان ولا تنتهي باسقاط الدستور وحل البرلمان واعلان الطوارئ.
ويبدو ان هذه العدوى انتقلت، بشكل وآخر، الى بعض الدوائر الحكومية التي انتلقت من تلبية مطالب الحراك الشعبي، الى استخدامه كاداة للاستقواء به على خصوم وحلفاء، والبحث عن انجازات شخصية هنا وهناك.
انشغل رئيس الوزراء، طيلة الاسابيع الماضية، بالجانب السياسي من ورقته ولم تر الجوانب الاخرى النور حتى هذه اللحظة. انخرط في سجال مع معسكر خصوم الاصلاحات حول امكانية تطبيق هذا البند وغض الطرف عن ذلك البند. حتى بند مكافحة الفساد، الذي يرفعه الجميع، دخل في متاهة التجاذبات وفقد بوصلته الصحيحة عندما تحول الى مادة للتسقيط المتبادل، ولم يسفر عن وضع برنامج محايد لملاحقة رموز الفساد. كان بالامكان، مثلا، ادراج تعديل قانون النزاهة والتنصيص على معاقبة الممتنعين عن كشف ذممهم المالية. وهذا مقترح تم رفضه بشكل واضح في الدورة البرلمانية السابقة. كان بامكان العبادي، خلال الشهر الماضي، توحيد الاوقاف وانهاء توزيعها بالشكل الذي يثير الانقسامات الطائفية.
بعد شهر على اطلاق الاصلاحات، هناك شعور بالاحباط يتسرب الى ارواح العراقيين من تراجع العبادي ومن ورائه الكتل السياسية عن الالتزام بذلك. شعور يشبه احساس المقاتل الذي وجد نفسه وحيداً واعزل في معركة بين خصمين غير متكافئين.
بالون في ثقب أسود
[post-views]
نشر في: 6 سبتمبر, 2015: 09:01 م