التقطت كاميرا المصورة الصحفية التركية نيلوفير دمير، عن طريق النزهة، لا عن طريق الصدفة، على ساحل بحر تركي جثة طفل كردي (سوري) اسمه إيلان كردي، في السنة الثالثة من عمره، بقميص أحمر وبنطلون قصير أزرق وحذاء يتجه نحونا، ما يعني في ثقافتنا العربية والإسلامية إهانة كبيرة لمن يتطلع إلى الصورة.
رغم التباس المشهد وردود الأفعال غير المتوقعة من قبل العالم على تلك الصورة، بما فيها رد فعل المصورة الصحفية، دمير نفسها، لأن مئات الأطفال والكبار، خصوصاً في منطقتنا المنكوبة (الشرق الأوسط) يموتون أثناء الحروب والحصارات ولحظات عبور الأسلاك الشائكة على الحدود الدولية، ففي دارفور السودانية، وحدها، ذهب ما يقرب من ربع المليون إنسان، من دون أن تهتز لكم رقبة/ يا أولاد القحـ........!
بدلاً من أن يميل العالم إلى الاستفادة من تجاربه بشأن الحروب والكوارث واللجوء والمنافي نراه، في القرن الحادي والعشرين، فاق في مآسيه قرن العالم المنصرم الذي وصف بأنه قرن الهجرة واللاجئين، بامتياز، والذي شهد حربين عالميتين وحروباً إقليمية مدمرة في أكثر من بقعة من جغرافيا العالم، من فيتنام إلى فلسطين.
تأتي فرادة صورة الطفل الغريق وسط "حراك" عالمي مرتبك يواجه ظاهرة غير مسبوقة جراء القسوة "الوطنية" التي تمارسها أنظمة قمعية فاشية وطائفية وعنصرية في آسيا وأفريقيا، تمتد من باكستان حتى نيجيريا مرورا بأفغانستان وسوريا والعراق وليبيا والسعودية واليمن ولبنان وغيرها، على أن دولاً لم تشهد هجرة منظورة بالحجم المتداول، مثل إيران، بعد أن تعايش الناس بصمت مقهور مع الإكليروس الإسلامي الذي انتهت سلطته في البلدان المسيحية منذ الفترة الرومانية.
لاجئون هاربون من دول العرب والإسلام والنفط تلتقطهم سفن يونانية وإيطالية بعد أن تغرق زوارقهم في البحر المتوسط، وآخرهم قبل أيام قبالة سواحل ليبيا، إذ قال فلافيو دي جياكومو، المتحدث باسم منظمة الهجرة العالمية "هذا ما يحصل غالباً، فالهواء سرعان ما بدأ يتسرب من الزورق المطاطي، بعد الإبحار، فدب الذعر بين الركاب الذين تجمعوا على أحد جوانبه".
ما يقارب الثلاثة آلاف مهاجر غريق منذ بداية العام الحالي، حسب المنظمة نفسها،
والعام الحالي لم يتجاوز نصفه إلا بثلاثة أشهر، يعني الحبل على الجرار!.
لا يبدو في الأفق القريب لبلداننا الكريهة أن تغدو أوطانا حتى بمساحة فسحة صغيرة لطفل يلعب الكرة بأمان، حتى داخل بيت أهله.
لم يشهد العالم جرائم قتل، جماعية وفردية، منذ أطفال حلبجة الذين استشهدوا بين أحضان آبائهم وإمهاتهم في الأيام الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية، في أكبر هجمة كيمياوية وُجّهت ضد سكان مدنيين من عرق واحد، وهم الأكراد، وهو أمر يتفق مع وصف الإبادة الجماعية، في القانون الدولي، التي يجب أن تكون موجهة ضد جماعة أو عرق بعينه بقصد الانتقام أو العقوبة.
طفل سوري (كردي) بقميص أزرق وبنطلون أحمر قصير ملقى مثل سمكة نافقة هو عنوان مرحلة تافهة بقسوتها وقاسية بتفاهتها، سيدمغ الجميع من أحقر حاكم عربي إسلامي، طائفي، إلى رئيس أكبر دولة في العالم، اليوم، بدمغة العار.. وسيدمغنا نحن العرب والمسلمين، خصوصاً، بعار لا يمحى لأننا مسؤولون، ارتباطا بما أنتجناه من أنماط حكم وثقافة وتقاليد وسلوكيات، ذات طابع ديني، طائفي، فاشي، عنصري، إقصائي، تخلّفي، منذ ما يسمى بفترة الاستقلال الوطني حتى اليوم، و "لا أستثني أحداً منكم...".
تقرير بشأن طفل بقميص أحمر على ساحل البحر
[post-views]
نشر في: 7 سبتمبر, 2015: 09:01 م