عودة الموتى الى الزمن الحاضر، فكرة تناولها المسرح العربي، المؤلف المسرحي المصري الراحل محمود دياب في مسرحيته باب الفتوح استحضر شخصية صلاح الدين الايوبي، ليتعرف على الواقع العربي بكل ما يحمل من ازمات ونكبات، الهدف من استحضار الشخصيات التاريخية ربما يعبر عن الرغبة في التشبث بالماضي بوصفه كان زمن تحقيق النهوض بقوة السلاح، بحسب تفسير من يعتقد بأن القوة تعد من وسائل تحقيق التوسع عبر غزوات متكررة للحصول على المغانم وثروات الاقوام الاخرى.
الانظمة العربية شجعت شعوبها على الارتباط بالماضي على طريقة امجاد يا عرب امجاد، لتبعدها عن التفكير بالمستقبل، في ظل هيمنة الحزب الحاكم او العائلة المالكة، لا يوجد حيز لطرح الاسئلة المتعلقة بتحقيق الديمقراطية والتعددية فمثل هذه الاسئلة تهدد الامن القومي، من يطرحها يكون مصيره الحكم بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، اصحاب السيادة والجلالة يخشون ايضا من المستقبل ، حتى اصبح الزمن القريب عدوهم اللدود، فحين يتحدث احدهم عن الزمن، يعطيه سقفا يمتد مئات السنين، يكتفي بسرد منجزاته خلال توليه السلطة، ويسخر وسائل الاعلام الرسمي لتصوره بطلا تاريخيا، صاحب فتوحات عرفها الاعداء قبل الاصدقاء.
العراقي لا يختلف عن اشقائه العرب وربما تفوق عليهم في تمسكه بالماضي، اذعن لإرادة السلطة لتنفيذ ايعازها "الى الوراء در" فاحتفظ بامتياز انتمائه الى اول بلد اخترع العجلة وشرع القوانين، وشارك في بناء حضارة علمت البشرية الكتابة، عند هذا الحد يقف ارتباط العراقي بالماضي، ما ان يلتفت الى جهة اخرى ليتعرف على ملامح مستقبله، حتى تبرز امامه الخطوط الحمر، فيمكث في الهامش لحين انتقاله الى جوار ربه، الحالة العراقية عبر عنها المثل الشعبي، باستحضار شخصية جبر، فليس في حياته ما يستحق الذكر من المهد الى اللحد.
معاناة جبر يشترك فيها معظم العراقيين، عاش تحت خط الفقر، دفع ثمن صراع القوى السياسية للوصول الى السلطة، حرم من التمتع بثروات بلاده، أفنى سنوات شبابه جنديا يخوض الحروب الخاسرة، فشل في الحصول على قطع ارض لبناء دار لأسرته، بحلول الزمن الديمقراطي استبشر خيرا، فصدق اكذوبة انصافه ورفع مظلوميته، لكنه سرعان ما شعر بان لعنة جبر ستلاحقه الى يوم القيامة.
"الى الوراء در" شعار ترسخ في الحياة العراقية، بفعل اداء سياسي وحكومي خلال السنوات الماضية، الاخطاء مشخصة تعرفها جميع الاطراف المشاركة في الحكومة الحالية، لأنها السبب الرئيس في ارتكابها، امامها اليوم مع اتساع حركة الاحتجاج الشعبي فرصة الاعتراف والتكفير عن الذنوب بمواقف تمنح العراقيين للمرة الاولى في حياتهم حق الاطلاع على مستقبلهم القريب، من دون الاستعانة بشعار امجاد يا عرب امجاد، ليتخلص من لعنة جبر بطل المثل الشعبي الشائع، غير صالح للنشر.
"جبر" علامة فارقة
[post-views]
نشر في: 7 سبتمبر, 2015: 09:01 م