TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "جبر" علامة فارقة

"جبر" علامة فارقة

نشر في: 7 سبتمبر, 2015: 09:01 م

عودة الموتى الى الزمن الحاضر، فكرة تناولها المسرح العربي، المؤلف المسرحي المصري الراحل محمود دياب في مسرحيته باب الفتوح استحضر شخصية صلاح الدين الايوبي، ليتعرف على الواقع العربي بكل ما يحمل من ازمات ونكبات، الهدف من استحضار الشخصيات التاريخية ربما يعبر عن الرغبة في التشبث بالماضي بوصفه كان زمن تحقيق النهوض بقوة السلاح، بحسب تفسير من يعتقد بأن القوة تعد من وسائل تحقيق التوسع عبر غزوات متكررة للحصول على المغانم وثروات الاقوام الاخرى.
الانظمة العربية شجعت شعوبها على الارتباط بالماضي على طريقة امجاد يا عرب امجاد، لتبعدها عن التفكير بالمستقبل، في ظل هيمنة الحزب الحاكم او العائلة المالكة، لا يوجد حيز لطرح الاسئلة المتعلقة بتحقيق الديمقراطية والتعددية فمثل هذه الاسئلة تهدد الامن القومي، من يطرحها يكون مصيره الحكم بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، اصحاب السيادة والجلالة يخشون ايضا من المستقبل ، حتى اصبح الزمن القريب عدوهم اللدود، فحين يتحدث احدهم عن الزمن، يعطيه سقفا يمتد مئات السنين، يكتفي بسرد منجزاته خلال توليه السلطة، ويسخر وسائل الاعلام الرسمي لتصوره بطلا تاريخيا، صاحب فتوحات عرفها الاعداء قبل الاصدقاء.
العراقي لا يختلف عن اشقائه العرب وربما تفوق عليهم في تمسكه بالماضي، اذعن لإرادة السلطة لتنفيذ ايعازها "الى الوراء در" فاحتفظ بامتياز انتمائه الى اول بلد اخترع العجلة وشرع القوانين، وشارك في بناء حضارة علمت البشرية الكتابة، عند هذا الحد يقف ارتباط العراقي بالماضي، ما ان يلتفت الى جهة اخرى ليتعرف على ملامح مستقبله، حتى تبرز امامه الخطوط الحمر، فيمكث في الهامش لحين انتقاله الى جوار ربه، الحالة العراقية عبر عنها المثل الشعبي، باستحضار شخصية جبر، فليس في حياته ما يستحق الذكر من المهد الى اللحد.
معاناة جبر يشترك فيها معظم العراقيين، عاش تحت خط الفقر، دفع ثمن صراع القوى السياسية للوصول الى السلطة، حرم من التمتع بثروات بلاده، أفنى سنوات شبابه جنديا يخوض الحروب الخاسرة، فشل في الحصول على قطع ارض لبناء دار لأسرته، بحلول الزمن الديمقراطي استبشر خيرا، فصدق اكذوبة انصافه ورفع مظلوميته، لكنه سرعان ما شعر بان لعنة جبر ستلاحقه الى يوم القيامة.
"الى الوراء در" شعار ترسخ في الحياة العراقية، بفعل اداء سياسي وحكومي خلال السنوات الماضية، الاخطاء مشخصة تعرفها جميع الاطراف المشاركة في الحكومة الحالية، لأنها السبب الرئيس في ارتكابها، امامها اليوم مع اتساع حركة الاحتجاج الشعبي فرصة الاعتراف والتكفير عن الذنوب بمواقف تمنح العراقيين للمرة الاولى في حياتهم حق الاطلاع على مستقبلهم القريب، من دون الاستعانة بشعار امجاد يا عرب امجاد، ليتخلص من لعنة جبر بطل المثل الشعبي الشائع، غير صالح للنشر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram