أعمل أغلب أيام الأسبوع ولو أنني كتبت صفحة واحدة في اليوم فستكون لي في نهاية كل سنة 365 ورقة مكتوبة فأعمد إلى نشرها في كتاب.. النسخة الأولى من أي كتاب غالباً ما تكون غير مقبولة ولكنّها تخدم بكونها مرتكزا أضع قدمي عليه للارتقاء إلى مديات أبعد...في سن ا
أعمل أغلب أيام الأسبوع ولو أنني كتبت صفحة واحدة في اليوم فستكون لي في نهاية كل سنة 365 ورقة مكتوبة فأعمد إلى نشرها في كتاب..
النسخة الأولى من أي كتاب غالباً ما تكون غير مقبولة ولكنّها تخدم بكونها مرتكزا أضع قدمي عليه للارتقاء إلى مديات أبعد...
في سن الـ 74 أعدت قراءة دوستويفسكي وتورجنيف وفلوبير وكونراد وهيمنغواي..
فيليب روث : روائي وكاتب قصة قصيرة أمريكي تتّسم أعماله بغلبة الحوارات، و مقاربة حياة الطبقة الوسطى ومشكلاتها - الطبقة الوسطى اليهودية بخاصة - والتداعيات المؤلمة للحب على مستوى الفرد والأسرة ، وقد انشغل روث في أعماله الأخيرة الى حد الهوس بموضوعة الفناء وتدهور حالة الجسد والعقل المصاحبة لتقدّم العمر .
ولد فيليب روث في مدينة نيو ارك في نيوجرسي الأمريكية عام 1933 و حصل على شهادة بكالوريوس في الفنون من جامعة شيكاغو التي درّس هو فيها لاحقاً وفي جامعات أخرى أيضاً . جاءت شهرة روث الأدبية مع نشر أول أعماله الأدبية ( وداعاً ، كولومبوس) Goodbye , Columbus ) عام 1959 ) والتي تمّ إعدادها لاحقاً لتكون مادة فلمية عام 1969 وفيها يحكي روث عن المادّية المقيتة التي تلازم حياة عائلة يهودية ثرية تعيش في الضواحي ، ثمّ نشر روث عدداً من الروايات لم تنل نجاحاً مثل عمله الأول حتّى نشر رواية ( شكوى بورتنوي) عام 1969 والتي تحوّلت الى مادة فلم أيضاً عام 1972 وكانت تصويراً هجائياً جريئاً لحياة شاب يهودي يعيش تحت ضغوط مؤلمة من أمه المستبدّة من جانب ومن تجاربه الجنسية من جانب اخر ، ثم نشر روث وبعد سلسلة من الاعمال غير الملفتة واحدة من أهم رواياته : ( الكاتب الشبح ) عام 1979 والتي أطلق فيها روث شخصية كاتب طموح يدعى ( ناثان زوكرمان ) ثم أعقبها روث بروايتين : (زوكرمان طليقاً ) عام 1981 و ( درس التشريح ) عام 1983 وفيهما تتبّع روث حياة زوكرمان ومهنته وقد شكّلت هذه الاعمال الثلاثة ثلاثية روث الأولى ، و نشر روث جزءا رابعاً يضاف للأجزاء الثلاثة السابقة بعنوان ( الحياة المعاكسة The Counterlife )عام 1993 .
نال روث ارفع الجوائز الادبية الامريكية وفي مقدمتها جائزة فولكنر التي حصل عليها ثلاث مرات ، والجائزة القومية لكتـّاب امريكا وجائزة النقاد وغيرها، وهو الكاتب الاميركي الحي الوحيد الذي اصدرت المكتبة الوطنية الامريكية مجلداً لأعماله الكاملة تكريما له في حياته. كما منح روث جائزة بوليتزر عام 1997 عن روايته ( المشهد الرعوي الأمريكي The American Pastoral ) وهي عن ثنائي من الطبقة الوسطى تتحول ابنتهما إلى إرهابية . وكان روث قد أعدّ هذا العمل ليكون الجزء الأول من ثلاثية زوكرمان الثانية التي أضاف لها لاحقاً الجزءين الآخرين : ( متزوّجة بشيوعي Married a Communist ) عام 1998 و ( الوصمة البشرية ) عام 2000 والتي تحوّلت إلى فلم ظهر عام 2003 .
يواصل روث في روايته ( الحيوان المحتضر ) عام 2001 لعبته الروائية عندما يحطـِّم الحواجز بين شخصيات الرواية وبين سيرته الذاتية بأسلوب ساخر يتأرجح ما بين السخرية السياسية والغوص في الذات الانسانية . وقد حولتها المخرجة الإسبانية ايزابيل كوشيت الى فيلم بعنوان- Elegy المرثية - بأداء بن كينغسلي وبنيلوبي كروز وتدور الاحداث حول استاذ سبعيني يتحدى ذبول حياته وعزلته وينغمر في عشق حسي جارف لإحدى طالباته التي تصغره بثلاثين عاما وهو يواجه شبح النهاية ويكشف عن هشاشة الانسان في عالم تتفاقم عدوانيته في كل مكان ويطرح اسئلة الوجود حول الجنس والحياة والموت ويعلق روث :اكتب لأواجه الملل لا الموت .
يُعـد فيليب روث من بين أشهر أربعة روائيين امريكيين حسب تصنيفات النقاد وهو المرشح الدائم لجائزة نوبل . وفي أواخر عام 2012 اعلن روث انه سيتوقف عن الكتابة بعد إصدار آخر كُتبه (نميسيس) واعترف من دون تردد : ( لقد انتهيت (.
يقول روث : (قمت في سن الـ74 من عمري قبل أربع سنوات - بعمل لم استطع تحقيقه سابقا - عندما قررت قراءة الروايات التي شُغفت بها في سن العشرين او الثلاثين ، فقرأت دوستويفسكي وتورجنيف وفلوبير وكونراد وهيمنغواي وعندما أنهيت الأمر عمدت الى إعادة قراءة كُتبي جميعها بادئاً من النهاية من "نميسيس") أردت أن أعرف ما إذا كنتُ بددتُ عمري في الكتابة وأن ما قمت به قد حقق نجاحاً فاكتشفت أنني فعلت أفضل ما أستطيع .
إعلان روث الانسحاب من عالم الكتابة نهائيا دفعني لأعيد قراءة روايتيه (الحيوان المحتضر 2001 )و ( كل رجل 2006 ) وهي رواية تتحرى سؤال الموت عبر تفحص حياة كاملة : رجل ميت يشرع في البحث عن الغفران وتمر حياته أشبه بفلم أمامه وهو عند المدفن يستعيد محطات حياته الصاخبة وفشل زيجاته واعتقاده الراسخ باستحالة الحب وانعدام الاخلاص بين البشر ، ويلاحق ألم الفقدان وسط زحام العالم معترفاً بفداحة ظلمه للآخرين ، ويقر بخطاياه التي يحاول محوها بتبرير ضعفه الانساني وقلة حيلته، وفاز روث عن رواية ( كل رجل) وللمرة الثالثة في حياته - بجائزة فولكنر للرواية ..
يؤكد كثير من النقاد على وجود الرؤية الذكورية المفرطة لدى فيليب روث فالقوة الذكورية الجنسية لأبطاله تستهين بالمرأة ومشاعرها وتمثل الخط الاساسي في معظم أعماله ما جعله هدفاً لانتقادات أنصار النسوية الذين اتهموه بالحط من مكانة المرأة . ومن جانب آخر نجد ان روث لم يهتم كثيرا بالنظريات الجمالية والتجريب لكنه أضفى على رواياته جرعة تغريب أكسبت سرده المزيد من التشويق والحيوية .
يقدم لنا روث في رواياته الحياة الامريكية من زاوية تاريخية تمتزج فيها خبرات طفولته التي يعيد تشكيلها بالتخييل ليطرح سؤاله الأساسي ، كيف بوسعنا تغيير الحياة الى نوع من الفن وما معنى ان يكتب المرء فيقول : أصعب شيء في الحياة ان نكسر الصمت بالكلمات، وان نكسر الكلمات بالصمت ، ويضيف : أنصح كل كاتب شاب بترك الكتابة فورا واتخاذ مهنة اخرى لأن الكتابة جعلت حياتي حرماناً وجحيماً مستديماً ، فالعمل اليومي عمل منهك الى حــدٍ مخيف.
الحوار التالي أجراه موقع ( The Daily Beast ) الالكتروني مع فيليب روث و قد نشر في 30 تشرين أول 2009.
لطفية الدليمي
الحوار
× لمسنا في الأعوام الإثنتي عشرة الماضية دفقاً إبداعياً هائلاً منك . لماذا جاء هذا الدفق الإبداعي متأخراً من وجهة نظرك ؟
• لا أعرف ، لا أعرف . انا أفعل ذات الأشياء التي لطالما فعلتها كلّ يوم في حياتي المهنية . أعمل كلّ يوم بدأب كما اعتدت العمل من قبل وليس باستطاعتي تفسير لماذا وكيف انبثقت هذه السلسلة من الأعمال عنّي على نحو منتظم في السنوات الأخيرة ، وكلّ ما أعلمه أنني أعمل أغلب أيام الأسبوع ولو أنني كتبت صفحة واحدة في اليوم فستكون لي في نهاية كل سنة 365 ورقة مكتوبة ومتى ما تجمّعت الأوراق عندي أعمد إلى نشرها في هيئة كتاب . هكذا هو الامر كلّه وليس أكثر من هذا .
× أعتقد ان ما تكتبه الان هو الأفضل من بين أعمالك كلّها لأن ما تكتبه اليوم يبدو أكثر مباشرة وبساطة وبخاصة في رواياتك القصيرة . هل تعمد إلى قدر هائل من إعادة الكتابة مع هذه الاعمال ؟
• أقوم بنفس القدر من إعادة الكتابة في أعمالي القصيرة وأعمالي الطويلة على السواء ، و هو عمل مضن وشاق كمال تعلمون ، وكل كتاب تراه منشوراً هو في الحقيقة نتاج عملية إعادة الكتابة هذه ، فالنسخة الأولى من أي كتاب غالباً ما تكون غير مقبولة ولكنّها تخدم بكونها مرتكزاّ أضع قدمي عليه للارتقاء إلى مديات أبعد . إعادة الكتابة صارت أسهل بكثير مع الكومبيوتر عمّا كانت عليه عندما كنّا نستخدم الآلة الكاتبة.
× هل تبدأ الكتابة منطلقاً من فكرة لموضوع محدد أم أنك تبدأ من شخصية أو موقف ما؟
• حسناً سأعطيك مثالاً من عملي ( المسكون بالأرواح Th Haunting )بدأت من سطر صار فيما بعد السطر الأول في العمل وفيه أقول " فقد سحره........ " ، فقد كنت افكّر آنذاك بممثل ما ، ليس بممثّل محدد بل بمحض ممثل ما ممّن لم يعد بإمكانه مواصلة التمثيل . تلبّستني الفكرة بالكامل فشرعت بالكتابة عنها منطلقاً من الفكرة وحدها وحسب .
× هل كان ذلك الممثّل الذي كتبت عنه في روايتك شخصاً عرفته من قبل أم أنك قرات عنه ؟
• كان شخصاً سمعت عنه ولم أكن أعرف الكثير عمّا يحيط به لكن راقت لي فكرة أن أتصور أن يعتلي هذا الممثل خشبة المسرح ويجد نفسه فاقداً لكل قواه . المسألة كما أراها كانت واعدة لذا انهمكت في الكتابة عنها.