رواية ميلان كونديرا الاولى بعد مرور 15 عاماً على آخر ما كتب. اعلن كونديرا نفسه: "انها رواية لا توعد بالكثير بل بالقليل فقط" ويقول الناقد: "ورواية كونديرا بعد صمت 15 عاماً، بعنوان "مهرجان التفاهة". وكان ميلان كونديرا سابقاً مخدراً وبوابة لدخول عالم
رواية ميلان كونديرا الاولى بعد مرور 15 عاماً على آخر ما كتب. اعلن كونديرا نفسه: "انها رواية لا توعد بالكثير بل بالقليل فقط" ويقول الناقد: "ورواية كونديرا بعد صمت 15 عاماً، بعنوان "مهرجان التفاهة". وكان ميلان كونديرا سابقاً مخدراً وبوابة لدخول عالم الروايات، عالم الأدب الجاد، وروايته، "الخفّة غير المحتملة للوجود"، ومازال البعض محتفظاً بها، وكان قد أعطاني تلك الرواية جيليز هـ، وآنذاك كان طالباً في الصف السادس، وكنت، كما يقول الناقد، في الصف الرابع، وكنت اتمتع آنذاك بكتب سالينجر وكيرواك. وبدا لي ان كونديرا اكثـر اهمية، ويمنح الجانب السياسي من الحياة اهمية اكبر واكثـر فاعلية.
واعتدت آنذاك السير هنا وهناك وجزء من رواية ميلان كونديرا يبرز من جيب الجاكيت، بحيث يبرز اسم الكاتب الجيكي وكتاب الضحك والنسيان، اكد لي ببساطة ان كونديرا: "رجل هش، وتستولي عليه الكآبة ("ان وجودنا لن يبقى الا في ملفات الشرطة". وهذه العبارة قد وضعتُ تحتها خطا واضحا على نسختي من الرواية).
ومرة اخرى، ان الجنس (وهو مشهد تقوم به إيفا ببعض الحركات التي تعبر عن رغبتها).
ويقول الناقد "انه قد قرأ في ما بعد العديد من الروايات الجيكية السياسية، وبدا لي انها تستعرض تمارينها قبل صدور "الرواية الأصلية" لكونديرا. ومع ذلك فان تلك الروايات كانت تتميز ايضاً باهتمامها العميق بالسياسة، ولكنها ايضاً تتميز بالحكمة والذكاء".
وكنت آنذاك شبه مذهول بـ (الخلود) في عام 1995، ولكنني كنت آنذاك منجذباً به، وبدأت في انتظار صدور اول رواية له باللغة الفرنسية، بكل صبر، (وكان كونديرا قد انتقل الى فرنسا في عام 1975، وبدأ يكتب بالفرنسية، والرواية الصغيرة التي ظهرت بعنوان "بدون إبطاء" في عام 1995، مخيبة للآمال وكانت عبارة عن تأملات حول الحداثة ملفوفة بسلسلة من الحكايات المتشابكة.
وبعد قراءة رواياته، ومنها "تطابق – 1998" و"جهل" – عام 2000 – اصبحت مهتماً في البحث عن الاحجار الكريمة في التجريد والفلسفة.
وعندما انتقل كونديرا الى فرنسا، بدا وكأنه توقف عن كتابة الروايات، وبدأ يكتب برخاوة وبخيوط مرتخية.
واصبحت عملية القراءة اشبه بمعركة ما بين الأمل والضجر، مع انتصار العامل الأخير وقد اقتربت من روايته التي جاءت بعد 15 سنة، وجاءت بعد 15 عاماً "مهرجان التفاهة".
إن هناك دائماً نوعاً من الأمل لديك، ان تكون الرواية التي ستقرأها لكاتب تفضله جيدة.
فهناك روث نيميسيس، وواحدة من افضل رواياته (وجاءت بعد "بتواضع") ثم جاءت روايته "هذيان". وهناك أليس مونرو، وافضل مجموعات قصصها حتى الآن، "الحياة العزيزة" وتم طبعها عندما بلغت الـ 81 سنة من عمرها.
وكان كونديرا قد بلغ الـ 86 من عمره. ان "مهرجان التفاهة"، يأخذنا الى تطرف مبالغ فيه والى تجريد مبالغ فيه.
وهذه الرواية تقع في 128 صفحة فقط، ولكنها تبدي اهتماماً قليلاً جدا، في تقديم سبب للقارئ ليقلب الصفحة ويقرأ وهكذا تصبح عملية القراءة شاقة، لا تتضمن للقارئ سبباً للتواصل معها، لأن القراءة لم تعد تجدي شيئاً بل تحولت الى معركة ما بين الأمل والضجر، والعامل الأخير يضع حداً للنهاية بانتصاره.
* ما اهمية ميلان كونديرا اليوم؟
في مثل هذه الحالة، عندما تتحدث عن اعمال كاتب، قد اشاد به ذات يوم، عندما كان يحقق النجاح.
ومن المألوف، عندما يتحدث احد ما عن عمل كاتب كان معجباً به، ولكنه هبط أخيراً الى اعمال لا تتناسب مع ما كان عليه سابقاً، فان الناقد سيمضي وقتاً طويلاً في تلخيص الموضوع. وهذا الأمر يبدو مناسباً بالنسبة لـ "مهرجان التفاهة". وهذه الرواية لا يمكن التساهل معها، لأنها وصلت الى درجة هابطة جداً.
وهي تتحدث عن رجل كبير في السن يقيم حفلاً في داره ويدعو اليها اربعة من اصدقائه اثنان من الضيوف واثنان من الذين يهتمون بالطعام والشراب وامرأة (ونعلم بعدئذ انها والدة أحد المدعوين وتحاول المرأة إغراق نفسها، لكنها بعدئذ تقتل من يحاول إنقاذها ويمضي العبث في الحفلة. وفي كل مرة يتوقع فيها القارئ امراً مهماً، نتذكر عنوان الرواية، ولا ينجح كونديرا في الجمع ما بين عنوان الرواية واحداثها.
وواحد من الاصدقاء الاربعة في الرواية واسمه رامون، يشكو التقدم في السن، وما يحدثه في الانسان. انه إنسان لا ينتمي الى عالم اليوم، ورواية كونديرا، مثال لشخصية رامون، يفتقر إلى الالحاح .ان هذه الشخصية لا تنتمي الى هذا العصر، تفتقر الى المعلومات السياسية او الفنية، ويقول احد الاشخاص وهو يتحدث عن هيغيل بقوله : "ان السيد الذي اخترعنا ذات مرة جعلني ادرسه".
ويبدو ان المشكلة تكمن في وجود عدد من الضيوف الكتاب من الذين قرأوا واحبوّا كونديرا في زمن ما، عند بداياته الادبية، عندما انطلق إلى عوالم الرواية (وهنا يتذكر الناقد اعمال سكارلت توماس، سيري هاستفيدت وآدم ثيرلويل)، حيث تصطخب اعمالهم بالحياة والافكار، في حين ان اعمال كونديرا اليوم تبدو مثل سلسلة من التراجعات الى مجرد مهارة وسلسلة من التراجعات وعند قراءة مهرجان التفاهة، يجعلني ذلك أتوق الى الروايات الكبيرة، ويجعلني ايضاً افكر حول الاسباب التي تجعل الروائيين يخسرون مضاء وجدة الافكار.
إن الاطفال ايضا بوسعهم كتابة القصص، انهم يحكون عن امور يشاهدونها.
ووالدة فلوبير قالت له ذات مرة، "إن ولعك بالجمل قد نضب في قلبك".