غير مرة أعلن رئيس الحكومة السابق نوري المالكي أن لديه ملفات لو كشفها لانقلبت الدنيا على الرؤوس ولتهاوت رؤوس كبيرة، وأنه اذا ما جرت عملية الكشف هذه تحت قبّة مجلس النواب، الذي كان يستدعيه للاستجواب في قضايا مختلفة ويرفض هو الحضور، لتحوّلت قاعة المجلس إلى حلبة "بوكسات"، أي ملاكمة.
في تلك المرات كلها لم يشأ السيد المالكي أن يفصح عن طبيعة تلك الملفات وفحوى محتوياتها.. اكتفى بالتلميح، مع أنه، للاعتبارات السياسية والاخلاقية، كان مُلزماً بعرض الوقائع على الشعب. ولم يكن من الصعب الفهم من التلميح أن الملفات المقصودة تتعلق بقضايا إرهاب وقضايا فساد إداري ومالي من الوزن الثقيل، فهذان النوعان من القضايا هما وحدهما ما يُمكن أن يقلب الدنيا على الرؤوس ويجعل رؤوساً تتهاوى ويحوّل مبنى البرلمان إلى ميدان
ملاكمة.
الرأي العام العراقي كان يرغب في أن يكشف السيد المالكي عن محتوى ملفاته، ولم يكن ليأبه بانقلاب الدنيا على الرؤوس، ولا بتهاوي رؤوس داخل البرلمان أو خارجه، لأن العراقيين جميعاً يعرفون أن هذه الرؤوس بالذات هي سبب بلواه وصانعة محنته المزمنة.
لم يكن موقف المالكي صحيحاً، ولم يكن تصرفه في هذا الشأن تصرف رجل الدولة، والدليل أن الدنيا انقلبت على رؤوس العراقيين بأجمعهم باجتياح داعش الإرهابي وسيطرته لخمسة عشر شهراً حتى الآن على ثلث مساحة البلاد وصولاً إلى تخوم العاصمة، والدليل أيضاً أن الفساد الإداري والمالي نخر قلب الدولة وسائر أحشائها ووضعها على حافة الانهيار، وأجهز على أنبل القيم الاجتماعية.
منذ يومين كشِف في القاهرة عن قضية فساد إداري ومالي في وزارة الزراعة المصرية، المتورطون فيها الوزير وعشرات من أفراد بطانته ورجال الأعمال. لم يفكر الرئيس عبد الفتاح السيسي ولا رئيس حكومته ابراهيم محلب إلا بشي واحد هو استدعاء الوزير الى مكتب رئيس الوزراء لتقديم استقالته، وترك الأمر للسلطة القضائية التي سارع جهاز النيابة العامة فيها في الحال بإصدار الأوامر بالقاء القبض على الوزير وسائر المتهمين والشروع بالتحقيقات.
هذا هو السلوك الطبيعي لرجال الدولة الذين يحترمون أنفسهم ويحبون بلادهم وشعبهم، وهذا هو التصرف المعتاد في الدولة التي تحترم نفسها ولا ترغب في أن تكون في عداد الدول الموصوفة بالفاشلة.
لا شكّ عندي في أن السيد المالكي قد توفرت لديه على الدوام الملفات التي من شأنها قلب الدنيا على رؤوس مئات المتورطين في قضايا الإرهاب وقضايا الفساد الإداري والمالي، ولا شك عندي في أن خليفة المالكي، حيدر العبادي، قد ورث الكثير من تلك الملفات.. والخشية أن يتصرف السيد العبادي بالطريقة التي تصرف بها السيد المالكي (لم يقدّم حتى الان اي وزير أو نائب فاسد الى القضاء، عدا بهاء الاعرجي الذي خضع لارادة زعيمه مقتدى الصدر وليس لارادة رئيس الحكومة)، وهي طريقة عبثية غير مسؤولة، بالرغم من أنها تسترت برداء المسؤولية حيال العملية السياسية ومستقبلها.. ما أبأسها من عملية سياسية وما أتعسه من مصير!
لماذا لا نتصرّف كالسيسي ومحلب؟
[post-views]
نشر في: 8 سبتمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
صدقني ياسيدي لو كان العبادي نزيها وغير متهما بالفساد لقدم كل الملفات التي بحوزته الى القضاء ولكن هذا الرجل حمله مثقل بالفساد منذ كان وزيرا للاتصالات ورئيسا للجنة المالية البرلمانية وحتى لو تجرا هل يستطيع الوقوف بوجه مقتدى وعمار من المستحيل ان يكون بتلك ا
سمير طبلة
ما أبأسها من عملية سياسية وما أتعسه من مصير! و... عليكم السلام!!!!!!!!!!!!