يدفع بذراعيه عجلة كرسيه المتحرك، وسط طريق ترابية وعرة واضعا حقيبته على ظهر الكرسي، سليمان الذي التقته "المدى" أمام مدرسته يعاني إعاقة في ساقيه تمنعه من المشي ويضطر للذهاب إلى مدرسته على كرسيه المتحرك لعدم وجود وسائل نقل في منطقته. أصيب سليمان بطلق ناري في الأحداث الطائفية التي مر بها العراق وتحول بعدها الى معاق.
مدرسة الإحسان التكميلية هي المدرسة الابتدائية الوحيدة في منطقة الدوانم (جنوب غربي بغداد)، حيث يسكن سليمان لذلك يضطر هو وزملاؤه إلى قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام للوصول إلى هذه المدرسة.
مشكلة سليمان، الطالب في الصف السادس الابتدائي لن تنتهي مع تخرجه من المرحلة الابتدائية بل أنها ستزيد لان أقرب مدرسة متوسطة هي أبعد من مدرسته هذه بمسافة أكبر."الإحسان" هي مأساة حقيقية حسب وصف اولياء الامور الذين تقدموا بشكوى الى "المدى"، بخصوص عدم ترميم مدرستهم الوحيدة منذ تأسيسها في العام 1957م إلا مرة واحدة وكانت العملية بإشراف القوات الأمريكية في العام 2006 وكان ترميما بسيطا، وتعاني المدرسة عدم وجود خدمات، إذ تنتشر الرطوبة فيها، أما سقوفها فتخترقها مياه الأمطار شتاء فضلا عن أثاث المدرسة القديم جدا، أما المعلمون فلا يملكون غرفة استراحة بعد أن تحولت غرفتهم الى قاعة دراسية للطلاب.ورفض مدير المدرسة التحدث معنا، ومنعنا من دخول المدرسة بمبرر وجود الضوابط في وزارة التربية التي لا تسمح بدخول الصحافة إلى المدرسة دون حضور المكتب الإعلامي التابع لها .
لا توجد مدرسة متوسطة للبنات
"سابقا كان أولياء الأمور يتبرعون بأموال او أثاث للمدرسة لكن الان وفي هذه المدرسة تحديدا يتطوع الأهالي للعمل كمدرسين فيها مجانا لعدم وجود مدرسين" حسب ما يقول نصير عبد الجبار والد احد التلاميذ والذي تبرع ليكون محاضرا في المدرسة.ويضيف "أنا متبرع لتدريس التلاميذ في هذه المدرسة منذ ثلاث سنوات والى هذه اللحظة مجانا وكذلك أطبع أسئلة الامتحانات والنشرات التوضيحية والتشجيعية للطلاب على حسابي الخاص.عبد الجبار الذي يحمل شهادة بكالوريوس تربية في قسم الرياضيات قدم أكثر من مرة طلباً للتعيين في مدرسة الإحسان التكميلية إلا انه الوزارة ترفضه ولا يعلم ما السبب، أبدى استغرابه من عدم قبوله قائلا "المدرسة تحتاج الى مدرسين واختصاص الرياضيات يعتبر اختصاصا نادرا لماذا لا يتم تثبيتي على الملاك الدائم، فانا أدرس ثلاث مواد هي: الرياضيات واللغة العربية والانكليزية .
ويتابع "وضعية المدرسة صعبة جدا والتلاميذ لا يستفيدون شيئا من المدرسة لعدم وجود مدرسين والوزارة ما زالت مصرة على عدم تعيين مدرسين .اما أمنة حربي عباس فخوفها على مستقبل ابنتها الدراسي دفعها الى التبرع كمحاضرة في المدرسة وتقول ان "أبنتي طالبة في الصف الأول الابتدائي لا تتلقى اي علم إذ هي لم تتلق درسا واحدا طيلة ثلاثة أسابيع ".
وأشارت إلى أن "المشكلة الأكبر هي طلبة السادس الابتدائي لأنهم لا يتلقون كافة الدروس وهم مقبلون على امتحانات وزارية وبالتأكيد هم سيدفعون الثمن".
15 ألف نسمة في مدرسة واحدة
فيما تؤكد شقيقتها كوثر حربي التي سارعت هي الأخرى للتبرع كمحاضرة مجانا في المدرسة أن " ابني لم يتلق سوى مادتي الرياضيات واللغة العربية منذ بداية العام الدراسي وهذا بالتأكيد له آثار سلبية على الطالب، خاصة وانه في مراحله الدراسية الأولى".
وتشكو حربي من بعد المدرسة وعدم وجود خطوط لنقل الطلاب فضلا عن عدم وجود طرق مواصلات لان المنطقة نائية .
اما عبد الله خالد والد لطالبتين في المدرسة فيستذكر المعاناة الطويلة للمدرسة بالقول "كنت احد المحاضرين المجانين في المدرسة في وقت العنف الطائفي إذ لم يكن في المدرسة سوى مدرسين اثنين ومدير المدرسة ومعاونة.. تعرض مدير المدرسة مرتين للتهديد لكي يغلق المدرسة إلا أننا حولنا المدرسة إلى احد البيوت في المنطقة وقمنا بتدريس الطلاب.
ويضيف خالد "أكثر البنات اللائي تخرجن من المرحلة الابتدائية اجبرن على ترك الدراسة لعدم وجود متوسطة للبنات داخل المنطقة ".
ويتابع "اضطررت الى تأجير سيارة لنقل ابنتي الى المدرسة المتوسطة ولكن تكلفتها المادية أثقلت كاهلي لذلك لم أستأجر لولدي سيارة تنقله إلى مدرسته ما اضطره ذلك للسير على الأقدام رغم أن المسافة بعيدة جدا. خالد أعرب عن انزعاجه من عدم تثبيت المحاضرين في المدرسة لحل أزمة قلة الكادر التدريسي قائلا إن "أغلب المحاضرين في المدارس الأخرى ثبتوا على الملاك الدائم للمدرسة باستثناء هذه المدرسة رغم أنها تعاني من نقص في عدد المدرسين.
ويقدر عدد سكان (الدوانم) بخمسة عشر ألف نسمة حسب تعداد اجري لأجل الانتخابات ولا توجد فيها الا مدرسة ابتدائية واحدة، ولا تمتلك مدرسة الاحسان التكميلية سوى عشر قاعات دراسية بعد ان شيدت لها منظمة إنسانية قاعتين أخريين وبدون أثاث حسب ما يقول المحاضرون في المدرسة . وتشغل المدرسة 750 طالبا وداخل كل قاعة دراسية 40 طالبا ما اضطر إدارتها الى شطر الدوام إلى قسمين صباحي ومسائي، وبالتالي شطر الكادر التدريس الذي لا يتجاوز ستة عشر معلما، ثلاث معلمات منهم لديهن إجازة وضع ومعلم آخر في إجازة مرضية .
محمد احد أولياء الأمور يقول ان "مدرسة الإحسان التكميلية كانت مدرسة متوسطة إضافة إلى الابتدائية لكن في الوقت الحالي ألغت إدارة المدرسة، المتوسطة لعدم وجود قاعات دراسية ومعلمين.
ويضيف أن "دوام التلاميذ في هذه المدرسة لا يتجاوز الثلاث ساعات أو أقل لان إدارة المدرسة تضطر إلى إنهاء الدوام حفاظا على سلامة التلاميذ إذ لديهم ثلاث حصص شاغرة في اليوم، موضحا أن "التلاميذ في هذه الإعمار بطبيعتهم يكونون مشاكسين ويتشاجرون في ما بينهم ويحتاجون إلى مراقبة من قبل المعلمين وهذا ما لا تستطيع المدرسة توفيره بسبب قلة الكادر التدريسي.
ميزانية الدولة لا تكفي لترميم مدرسة
أولياء الأمور والمحاضرين في المدرسة ذكروا لـ "المدى" أن المدرسة دخلت في العام 2010، ضمن خطة للترميم الشامل لها ولكن وزارة التربية أبلغت إدارة المدرسة أن ميزانية الدولة لم تكف لذلك أجل ترميمها الى العام 2011 وتأجل المشروع مرة أخرى إلى العام 2012 والى الآن لم يجر لها أي ترميم.
وعود تليها وعود
فاضل احد أولياء الأمور الطلبة بين لـ"المدى" مدير المدرسة طالب وزارة التربية عدة مرات بتعيين معلمين في المدرسة إلا ان الوزارة تعده في كل سنة بتوفير كادر تدريسي على وجبة التعيين الجديدة ومن ثم تؤجله الى السنة التي بعدها. فيما تقول أم نور والدة إحدى الطالبات في المنطقة ان "لجنة المصالحة الوطنية زارت المنطقة واطلعت على حال المدرسة ورفعت طلبا إلى وزارة التربية بشان اوضاع المدرسة وفي ما بعد فقد الطلب داخل الوزارة. الطالب احمد في الصف الثالث الابتدائي يقول "أنا احب الذهاب الى المدرسة رغم انها ليست جميلة". فيما الشابة هناء عزيز صادفتنا في الطريق بالقرب من مدرسة الاحسان جاءت إلى المدرسة لتقدم كمحاضرة مجانية، عزيز شكت لنا معاناتها عسى أن تجد حلا لمشكلتها وتقول "لم اعد احلم وأخطط لحياتي لأنني مازلت ابحث عن احد حقوقي وهو الحصول على عمل".وتضيف عزيز "تخرجت من كلية التربية/ قسم الجغرافية في العام 2004 ومنذ ذلك الحين وأنا أبحث عن تعيين دون جدوى.. أنا مستعدة للعمل حتى في المناطق النائية".
الأهالي يتطوّعون لتعليم أبنائهم فيها..مدرسة مــن دون معلمــين!

نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 05:32 م