اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > فلاسفة الأنوار والإسلام

فلاسفة الأنوار والإسلام

نشر في: 8 يناير, 2010: 05:10 م

حسين الهنداوي(2-2)ورغم سقم هذه الترجمة وتحميلها المفاهيم الاسلامية محمولات مسيحية بشكل صارخ احياناً، فإنها طرحت لأول مرة في العالم المسيحي مشكلة ضرورة المعرفة الدقيقة بهذا الدين من قبل المفكرين واللاهوتيين. بيد ان احدى النتائج المباشرة لجهد بطرس الجليل المذكور، هي ظهور تيار لم يكف عن التنامي والتعمق راح يعلن رغبته بالحوار بين المسيحية والاسلام.
 وهذه المعرفة المباشرة التي توفرت للاحاطة بفحوى النص القرآني، كشفت لأول مرة عن وجود تماثلات هائلة بين روح الديانتين المسيحية والاسلامية. فعلى العكس من تصور اللاهوتيين المسيحيين سابقاً بأن فكرة المسلمين عن الله تتضمن التجسيم، ها هو النص القرآني أكدّ لا جسمية الذات الالهية. كما كانت دهشتهم عظيمة وهم يكتشفون المكانة المقدسة التي يحتلها المسيح في كتاب المسلمين ذاته، على العكس من احتقار اليهود له من جهة وعلى الضد من التصورات التي قدمت سابقاً عن عقيدة المسلمين. إلى ذلك، جاءت ترجمة المؤلفات الفلسفية لابن سينا وابن رشد والغزالي الى اللاتينية في هذه الفترة لتعمق من هذا الفهم الجديد للاسلام. فاذا كان ابن رشد او ابن سينا تجسيداً للمفكر الاسلامي ورسالته في الفلسفة، اين اذن تلك الهوة او التناقض بين روحي الاسلام والمسيحية؟ وقد ساعد في نكوص هذا التناقض واقع الثراء الكبير الذي تحمله مؤلفات الفلاسفة المسلمين اولئك في صعيدي اللغة والمضامين، المفقودتين تماماً لدى المفكر المسيحي في القرن الثاني عشر والثالث عشر. لذلك لم ير توما الاكويني بداً من استخدام لغة ومصطلحات وحجج فلسفية رشدية واسلامية عموماً في رسائله الفلسفية على الرغم من عنف رفضه للاسلام. بل لم يتردد مفكرون مسيحيون كبار آخرون في العودة الى المفكرين المسلمين عند مواجهتهم لمشاكل او قضايا لاهوتية مسيحية. وهذا التطور عمق موضوعياً الميل نحو نظرة ايجابية من العقيدة الاسلامية. روجيه بيكون كان ربما اول من طرح ضرورة الحوار في التعامل مع المسلمين اذا ارادت المسيحية لنفسها ان تجذبهم الى ايمانها. كما انه اول مفكر مسيحي اقترح اعتبار الاسلام ضمن نفس الدائرة التوحيدية مع اليهودية والمسيحية رغم ايمانه العميق بان المسيحية هي الديانة الالهية الحقيقية الوحيدة.لكن رايمون لول يتجاوزه في ذلك باعتقاده ان الاسلام اكثر الاديان جميعاً قرباً للمسيحية. وهذا ما يفسر اندفاعه الشديد والمبكر لتعلم اللغة العربية التي، اضافة الى تدريسه اياها في الاديرة والمعاهد، كتب بها العديد من مؤلفاته الفلسفية واللاهوتية. وقد بلغ اعجابه وتوافقه مع منظورات المتصوفة المسلمين حداً يجعله يؤكد عدم وجود اي اختلاف جوهري بين الايمانين الاسلامي والمسيحي ويكرس سنوات طويلة من حياته داعياً الى استبدال الحروب الصليبية بالحوار بين المسلمين والمسيحيين من اجل «التوحد من جديد»، بل راح يتصل بالبابوات والملوك لإقناعهم بذلك. فقد كتب في مؤلفه له: «تعرفت على هؤلاء المفكرين الذين يسمون بـ«الصوفيين» والذين يحظون بمكانة عظيمة لدى المسلمين وغير المسلمين، فوجدتهم ذوي كلام منعم بالحب وعبارات وجيزة تملأ الانسان بمشاعر النبل والتقوى، وهو تقتضي عرضا ترتفع المدارك بفضله الى أعلى مراتب السمو مقرونة بأعلى درجات التفاني الامر الذي دعاني إلى ان اقتدي بهم». بيد ان هذا الاتجاه الذي أسسه رايمون لول، وتبعه غيوم بوستل وآخرون فيما بعد، كان اشبه بصرخة في واد عظيم. صحيح جداً، وبقدار كون الاسلام قد كف في تلك الفترة عن ان يشكل خطراً او تهديداً ضد العالم المسيحي، وبمقدار كون فكرة الاستمرار بإرسال حملات صليبية مسلمة لم تعد تثير الحماسة، فإن فهم الإسلام بل والحوار معه هما ما اخذ يتعزز اكثر فأكثر. إلا ان الديانة اللاهوتية لم تخمد قطعاً بل اشتدت استعارا بفضل الصراعات والانشقاقات داخل الكنيسة من جهة وبفضل الاخطار الكامنة التي اخذت تتجلى مع ظهور القوة العثمانية التي كانت قد دخلت مسرح الصراع من جهة الشرق للتو. وفي كل الاحوال فما دام اللاهوت في خدمة السياسة ومادامت المؤسسة الدينية المتحالفة مع الامراء الاقطاعيين هي من يشرف على الافكار بما فيها الفلسفية، لم يكن لتيار لول في الموقف من الاسلام ان يصمد طويلا. اذ سرعان ما وجد نفسه مدانا بـ«الهرطقة» عبر مرسوم أصدره البابا غريغوار الحادي عشر قضى بحظر مؤلفات هذا الفيلسوف الكاتالاني وتحريم تداولها، قبل ان يسقط هو نفسه، بعد فترة وجيزة، مسجى اثر طعنة قاتلة اعلن انها جاءته على يد «قطاع طرق مسلمين»! ومع ذلك كان رايمون لول بلاشك المؤسس البعيد، بمعنى ما، لعصر الانوار فيما يتعلق بالنزعة الانسانية الشاملة لديها وايضاً بالموقف من الاسلام. بيد انه كان على هذا المنظور ان يجتاز القرون العجاف العديدة التي فصلت بينهما في تاريخ الفكر الغربي. اذ ان سيرورة هذا الاتجاه الانفتاحي ستنقلب رأساً على عقب مع حدث سقوط القسطنطينية في عام 1456 بأيدي العثمانيين المسلمين. فهذا الحدث، علاوة على هول الجرح المقترن بالإهانة الذي أحدثه في وعي العالم المسيحي، فجر حالة من الغضب والشعور بالقلق لديه تشبه الى حد بعيد تلك التي نتجت عن الفتوحات العربية الاسلامية في القرنين السابع و

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram