كل العراقيين الذين يؤمنون بحاجة البلاد الى تصالح عميق بين الجماعات السياسية الكبرى، يتابعون باهتمام ما يحصل مع رئيس البرلمان سليم الجبوري. لان الحملة ضد الرجل وسفره الى قطر وصلته بمؤتمر الحوار السني، هي نموذج يصلح لدراسة مهمة حول مسارات السياسة العراقية المختلة.
اما النوع الاخر من الذين يتابعون هذه القضية باهتمام، فهم القادة السنة المعارضون الذين نفكر بان نتصالح معهم. هؤلاء يقولون: الجبوري سني معتدل متورط بالعملية السياسية منذ ١٢ عاما، ومتهم بانه "منبطح" للطائفة الشيعية، وقد تعامل بمرونة كبيرة مع بغداد والنجف وكربلاء وطهران وشيراز وحتى الخفاجية، لكنه يتعرض لرد فعل متشدد كهذا الذي يصوغه فريق نوري المالكي داخل البرلمان، مع اوصاف الخيانة والعمالة، وسط صمت "الاعتدال الشيعي". فاذا كان هذا ما يتعرض له معتدل مرن كالجبوري، فماذا يمكن ان يحصل مع المعارضين المنفيين في عمان واسطنبول؟
الحملة ضد الجبوري واضحة. لم ينظمها المعتدلون الشيعة، بل نفس فريق المالكي الذي حكم البلاد ٨ اعوام، وقام بتقديم سنة العراق كهدية لداعش. وحين جرى خلع هذا الفريق ناقص الحكمة، قال كل القادة "ان التصالح السياسي هو الحرب الحقيقية لطرد داعش، ولن يستطيع عشرة ملايين جندي حل مشكلة العراق، اذا لم تكن هناك تدابير حكيمة ورصينة".
وبعد سنة من ذلك التاريخ، صمت المعتدلون تقريبا، وارتفعت اصوات المتشددين الملتفين حول المالكي. ويجب ان نلاحظ ان هذا الفريق المتشدد اصيب بالمباغتة وتوارى في صمت رهيب، حين انطلقت عجلة الاصلاحات وخسر رئيسه منصبه الجديد في الرئاسة. لكن فريق التشدد يحاول ان يعود الى الواجهة عبر صراخ وعويل ينشر ذعر التخوين والاتهام، بين كل مناصري الحلول السياسية.
ولان هناك صمتا، فان الجبوري وجه عتبا شديدا الى العبادي وحلفاء العبادي المعتدلين، وكان يتساءل "لماذا تنقصكم الشجاعة لدعم خطوات التصالح؟". وهذا سؤال يشمل كل المؤمنين بالاصلاح السياسي، الذي لا يعني مجرد اصلاح اداري ووزاري، بل لابد ان يشمل تعديل اسلوب الاستقرار والسلم الاهلي، واذا بقينا نقدم الطائفة السنية كهدية الى داعش، ونواصل تخوين كل قادتهم وتنزيه السيد مشعان حصرا، فان النتيجة هي حروب تستعر وتقسيم دموي واداء مرتبك يجعل كل الدنيا تواصل الضحك علينا والتدخل فينا.
لكن لماذا يصمت المعتدلون؟ السبب واضح. فعند قراءة مقالي هذا ستنهال علي كالعادة، مئات الشتائم والتهم والتخوين. وانا مجرد معلق سياسي بلا تأثير كبير. فماذا سيكون الحال لو ردد الزعماء الشيعة المعتدلون كلاما مثل هذا؟ ان الاعتدال يتحدث بلغة سرية، اما التشدد فهو علني مليء بالرياء والصلافة!
وماذا بعد؟ لدي ملاحظتان قصيرتان. الاولى: اذا بقيت بغداد ترفض احتضان المعارضين السنة، فلن يبقى امامهم سوى التعاون مع قطر وتركيا والسعودية ولاحقا امريكا، لعقد حواراتهم. وهي حوارات بين سنة مؤيدين للنظام، وسنة معارضين للنظام. اما الملاحظة الثانية فهي ان التصالح مع السنة اصبح هذه الايام، اكثر خطورة من التصالح مع اسرائيل. واعتقد اننا لو دعونا للتطبيع مع تل ابيب، فلن نتعرض الى هجمة بهذه القساوة، كالتي نتعرض لها "كشيعة مؤمنين بضرورة الحل السياسي" حين ندعم الحوارات السنية، وندعو لتنضيجها وتشجيعها.
وربما سنكتشف بعد سنوات، ان ساسة من كل الاطراف سيبدأون بالحوار مع الصهاينة، لكنهم سيظلون عاجزين عن ادارة حوار عراقي عراقي، او سوري سوري..الخ. وقد نشهد يوما، وساطات اسرائيلية تحاول "التقريب بين وجهات نظر الطوائف الاسلامية" في هذا الهلال الخصيب الذي يتسع ويصبح قمرا، لا يسطع منه ضوء لعاشق او شاعر، بل مطر له لون الدم، كما قال زبغنيو بريجنسكي يوما.
جميع التعليقات 5
ابو سجاد
ياسيد سرمد بطروحاتك هذه تريد بناء دولة كونك عراقي ووطني ودائما تجنح للسلم و والتسامح للاسف تريد من هؤلاء ان يكونوا رجال دولة ويكون طموحهم وطني ياسيدي العزيز لقد جاء هؤلاء منهم من اجل اخذ الثاْر الطائفي ومنهم من اجل المناصب والامتيازات والثراء اخطر ما
الدكتور ياسين البدري
الاستاذ الفاضل سرمد: قبل بضعة أسابيع شد نوري المالكي الرحال الى طهران لحضور موءتمر ديني اقل مايقال عنه انه كان استفزازي للمكون السني وهناك ومن على المنبر وجد الفرصة سانحة للهجوم على كل من هب ودب.ولم ينبس احد ببنت شفة .وعندما ذهب سليم الجبوري الى قطر انقلب
أبو أثير
المصيبة ورأس ألأفعى المتعدد في عراق اليوم هم أنفسهم الساسة الطارئون على الحكم والسلطة منذ ألأحتلال ولحد ألآن من خبثاء يدعون بالسنة والشيعة ... وهؤلاء متفقين على لعب دور المدافعين عن مظلومية طوائفهم في حين هم من كان أشد لؤما وكراهية وحقد على أبناء طوائفهم
Nour
أكثر من رائع أستاذ سرمد
نهى عبد الكريم
طالما ان إيران هي من تملي على المتشددين الشيعة الاوامر فإن حال التوتر والاحتراب ستبقى وسط تغييب للصوت الشيعي المعتدل المؤمن بدولة المواطنة ، الحل في كنس الاحزاب الدينية الشيعية والسنية وجعل القرار وطنيا ً والابتعاد عن سياسة التهميش والاقصاء