باعتقادي الشخصي أن مقياس تقدم أي بلد محكوم بنظام الإشارات المرورية فيه وتطورها والتزام الناس بها دون فيلق من رجال شرطة المرور يظهرون لك فجأة لمعاقبتك بسبب خرقك الإشارة، والمقياس الثاني هو الموقف من المرأة.. مقياسان يدلانك على نوعية المجتمع الذي تتعامل به ومعه.. والموقف من المرأة لا يمكن تقسيمه إلى خانات لأنه موقف من حركة الحياة وتطورها ونموها وانسيابيتها، وخارج هذا التوصيف ستجد مجتمعا معاكسا تماما، مجتمعاً مريضاً بآفات لا يعرف حتى علاجها..
وبين زمن الراحلة عفيفة اسكندر والزمن الحالي للروزخانات المنتشرة كالديدان في الجسد العراقي، بإمكانك بين الزمنين أن تقيس نوعية المجتمع ما كان عليه وما آل إليه، وبإمكانك أن تقيس مستوى النخب السياسية في ذلك البلد.. في زمن عفيفة اسكندر كان لها صالون خاص ليس للطرب فقط وإنما لتجمع النخبة العراقية السياسية والأدبية والاجتماعية، صالون خاص لفنانة كانت تشجي الأسماع في الملاهي والإذاعة والتلفزيون، من رواد صالونها رجال الدولة الملكية، رئيس الوزراء نوري سعيد، عضو مجلس الأمة فائق السامرائي والنائب حطاب الخضيري والأديب الكبير حسين مردان والمحامي عباس البغدادي والعلامة مصطفى جواد، والفنانون: حقي الشبلي وعبد الله العزاوي ومحمود شوكت وصادق الأزدي والمصور المبدع الراحل حازم بك.. زمن كان الساسة فيه يقفون إجلالا للإبداع، كان الزعيم عبد الكريم قاسم يحضر حفلات الغناء لمائدة نزهت شجية الأغنية البغدادية، ساسة في زمن مرّ وانقضى كانوا يتعاملون مع الفن باعتباره جزءا من ثروات البلد وحضارته ورقيه وتقدمه والمباهاة به أمام شعوب العالم الأخرى بعيدا عن أية توصيفات ضيقة ومنطلقات متخلفة في الرؤية إلى الفن والفنانين في الغناء والمسرح والرقص..
هل كان زمنا متخلفا؟
سؤال نوجهه، ونحن في القرن الحادي والعشرين،إلى من يحارب الفن والفنانين ويهينهم علنا وجهارا باسم الدين،سؤال إلى من يمنع أغنيات فيروز في دوائر الدولة حرصا على "الأخلاق العامة "، سؤال إلى أولئك الذين يجرّون المجتمع العراقي قسرا إلى أزمنة غابرة من الظلام والتخلف والنظرة المتدنية والدونية للفن والفنانات، سؤال إلى أولئك الذين منعوا مهرجان بابل من الانطلاق بحجج يعرفون جيدا أن حقيقتها مخالفة لما يظنون، سؤال وأسئلة إلى كل أولئك الذين مازالوا يعتقدون أن الطريق إلى الجنة يمر عبر إيقاف الإبداعات في الحياة الاجتماعية وحصرها في مجموعة باهتة من التصورات البليدة التي يضعون فيها تطور الحياة وانسيابيتها ورقيها في مواجهة الدين والآخرة تحت جناح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي بإمكانها أن تمنح بطاقات الدخول إلى الجحيم لغالبية الناس بسبب الغناء والموسيقى والمسرح وطريقة اللبس ونوعه والاستماع إلى فيروز وعفيفة اسكندر ومائدة نزهت ووحيدة خليل وسليمة مراد وصديقة الملاية!!
فيا حسرتاه على زمن قالت فيه الراحلة عفيفة اسكندر " هاي هم قسمه وعد.. جوز منهم "!
عفيفة.. واحسرتاه على زمن!
[post-views]
نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 05:34 م