TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عفيفة.. واحسرتاه على زمن!

عفيفة.. واحسرتاه على زمن!

نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 05:34 م

باعتقادي الشخصي أن مقياس تقدم أي بلد محكوم بنظام الإشارات المرورية فيه وتطورها والتزام الناس بها دون فيلق من رجال شرطة المرور يظهرون لك فجأة لمعاقبتك بسبب خرقك الإشارة، والمقياس الثاني هو الموقف من المرأة.. مقياسان يدلانك على نوعية المجتمع الذي تتعامل به ومعه.. والموقف من المرأة لا يمكن تقسيمه إلى خانات لأنه موقف من حركة الحياة وتطورها ونموها وانسيابيتها، وخارج هذا التوصيف ستجد مجتمعا معاكسا تماما، مجتمعاً مريضاً بآفات لا يعرف حتى علاجها..
وبين زمن الراحلة عفيفة اسكندر والزمن الحالي للروزخانات المنتشرة كالديدان في الجسد العراقي، بإمكانك بين الزمنين أن تقيس نوعية المجتمع ما كان عليه وما آل إليه، وبإمكانك أن تقيس مستوى النخب السياسية في ذلك البلد.. في زمن عفيفة اسكندر كان لها صالون خاص ليس للطرب فقط وإنما لتجمع النخبة العراقية السياسية والأدبية والاجتماعية، صالون خاص لفنانة كانت تشجي الأسماع في الملاهي والإذاعة والتلفزيون، من رواد صالونها رجال الدولة الملكية، رئيس الوزراء نوري سعيد، عضو مجلس الأمة فائق السامرائي والنائب حطاب الخضيري والأديب الكبير حسين مردان والمحامي عباس البغدادي والعلامة مصطفى جواد، والفنانون: حقي الشبلي وعبد الله العزاوي ومحمود شوكت وصادق الأزدي والمصور المبدع الراحل حازم بك.. زمن كان الساسة فيه يقفون إجلالا للإبداع، كان الزعيم عبد الكريم قاسم يحضر حفلات الغناء لمائدة نزهت شجية الأغنية البغدادية، ساسة في زمن مرّ وانقضى كانوا يتعاملون مع الفن باعتباره جزءا من ثروات البلد وحضارته ورقيه وتقدمه والمباهاة به أمام شعوب العالم الأخرى بعيدا عن أية توصيفات ضيقة ومنطلقات متخلفة في الرؤية إلى الفن والفنانين في الغناء والمسرح والرقص..
هل كان زمنا متخلفا؟
سؤال نوجهه، ونحن في القرن الحادي والعشرين،إلى من يحارب الفن والفنانين ويهينهم علنا وجهارا باسم الدين،سؤال إلى من يمنع أغنيات فيروز في دوائر الدولة حرصا على "الأخلاق العامة "، سؤال إلى أولئك الذين يجرّون المجتمع العراقي قسرا إلى أزمنة غابرة من الظلام والتخلف والنظرة المتدنية والدونية للفن والفنانات، سؤال إلى أولئك الذين منعوا مهرجان بابل من الانطلاق بحجج يعرفون جيدا أن حقيقتها مخالفة لما يظنون، سؤال وأسئلة إلى كل أولئك الذين مازالوا يعتقدون أن الطريق إلى الجنة يمر عبر إيقاف الإبداعات في الحياة الاجتماعية وحصرها في مجموعة باهتة من التصورات البليدة التي يضعون فيها تطور الحياة وانسيابيتها ورقيها في مواجهة الدين والآخرة تحت جناح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي بإمكانها أن تمنح بطاقات الدخول إلى الجحيم لغالبية الناس بسبب الغناء والموسيقى والمسرح وطريقة اللبس ونوعه والاستماع إلى فيروز وعفيفة اسكندر ومائدة نزهت ووحيدة خليل وسليمة مراد وصديقة الملاية!!
فيا حسرتاه على زمن قالت فيه الراحلة عفيفة اسكندر " هاي هم قسمه وعد.. جوز منهم "!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram