عملية خطف العمال الأتراك في بغداد، ثم نشوب نزاع مسلح بين جماعة مسلحة وقوة أمنية كانت تسعى لاقتفاء أثر الخاطفين، وأخيرا بثّ شريط فيديو تعلن فيه جماعة مسلحة، تعمل باسم "فرق الموت"، المسؤولية عن خطف العمال وشروطها لإطلاق سراحهم.. هذا كله يقدّم دليلاً جديداً على أن للميليشيات (الجماعات أو المنظمات المسلحة خارج نطاق الدولة) وجوداً حقيقياً في حياتنا ودولتنا.
نعم هذه الميليشيات موجودة، ولا ينفي هذا الوجود أو يخفف منه أنها تسعى الآن إلى التستر بأردية الحشد الشعبي، فوجودها سابق لوجود الحشد الشعبي وسابق لنشوء الظروف التي أوجدت الحشد الشعبي، وشوارع المدن وساحاتها تنطق بهذا الوجود على نحو واضح وصارخ منذ سنوات.
وجود الميليشيات يتعارض مع وجود الدولة في كل مكان وزمان. لا توجد الميليشيات إلا في غياب الدولة أو ضعفها الشديد، وبينما تستند الدولة إلى القانون والنظام تقوم الميليشيات على غياب القانون والنظام وتغييبهما، بل ان لكل ميليشيا قوانينها وأنظمتها وقيادتها المختلفة. وكما لا تتورع الميليشيات عن القيام بالأعمال المنافية للقانون والنظام، فإنها لا تتردد عن استخدام الدين والمذهب لأغراضها، وهي أغراض سياسية في الغالب، وهذا ما حصل أخيراً على خلفية اختطاف العمال الأتراك، فالخاطفون سعوا لنسبة أنفسهم الى الإمام الحسين بن علي (أتباع الإمام الحسين)، وهذا ما أثار حفيظة المرجعية الدينية في النجف التي أصدرت بياناً استنكرت فيه الزجّ باسم الإمام الحسين في هذه العملية الخارجة على القانون، مؤكدة أن "التعرّض لأولئك الأبرياء الذين لا دور لهم في أحداث المنطقة ومآسيها عملٌ غير أخلاقي وعلى خلاف الضوابط الشرعية والقانونية وهو مدان ومستنكر جداً"، ومطالبة بـإطلاق سراحهم "والكفّ عن هذه الممارسات التي تسيء الى صورة الدين الاسلامي الحنيف ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) وتؤدي الى اسقاط هيبة الدولة واضعاف الحكومة المنتخبة". أكثر من هذا أن المرجعية حضّت الحكومة والقوى السياسية كافة على "مساندة القوى الأمنية، وأن تعمل ما بوسعها لوضع حدّ لجميع الممارسات الخارجة عن القانون التي تخلّ بالأمن والاستقرار في البلد". وبطبيعة الحال فان هذا الخطاب يضع على نحو جليّ الميليشيات في خانة المنظمات الخارجة على القانون.
في الشارع ثمة خوف غير خفي من الميليشيات، وهذا يصبّ في خانة داعش الذي يسعى لإدامة حال القلق والخوف والريبة، ويؤثر سلباً في عزيمة القوى العسكرية والأمنية على الصمود في وجه داعش والتصدي له وملاحقته، والمفروض أن يتركز جهد الدولة على تقوية قواتها المسلحة لمواجهة خطر داعش وسائر التهديدات التي يواجهها الأمن الوطني وسيادة الدولة.
حصول عملية أخرى من نوع العملية التي طالت العمال الأتراك في بغداد سيوجّه رسالة إلى كل الشركات الأجنبية العاملة في البلاد بأنها يمكن أن تكون الهدف التالي للميليشيات المتروكة لشأنها.. هذه حال لا ينبغي أن تكون بأي شكل أو صورة أو صيغة، لأن الثمن الذي سندفعه سيكون مكلفاً للغاية في دولة ومجتمع لم يعد في طاقتهما تحمّل أي كلفة.
ثمن حرية الميليشيات
[post-views]
نشر في: 12 سبتمبر, 2015: 09:01 م