وحدي في ساحة أيامي، وأحياناً مع صديق اسمه عواد ناصر.. في حوارات معقدة بلا طائل أهرب منه ومنها إلى أصدقائي القديمين جداً لنلعب أو نتشاتم أو نتبادل الدشاديش والألعاب الحافية ومن ثم.. الكتب.
أين أنتم، يا أصدقائي الميامين؟
عطية، الولد الأسمر مثل رغيف شعير والنحيل كقصبة في هور سحيق والذي أول من علمني صناعة الطائرات الورق كخبير محترف ، ونعيّم ابن جيراننا الذي يقود فريقنا لنربح دائماً في لعبة "أم حجيّم – بالجيم الفارسية" وهنا واحد من عيوب الكيبورد وواحد من أمجاد القلم.
و"سين" تلك البُنية الشهية التي لم تبلغ بعد سن الشيلة والعباية لكنها أتاحت لي أول رجفة مجهولة السبب جراء أول قبلة معروفة السبب.
فاضل عيسى الذي تناوبنا هو وأنا ، على حمل وشاح "فارس الصف" في الصف السادس الابتدائي بمدرسة ابن الأثير الابتدائية للبنين وعيوننا عبر سياج المدرسة نتلصص على مدرسة الوطن الابتدائية للبنات حيث المعلمات المثيرات لا التلميذات الصغيرات (قلة أدب مبكرة).
سامي علوان (مجهول المصير) الذي أعارني كتاب سلامة موسى "هؤلاء علموني" لتكر مسبحة كتبه فأقرأها كلها لاحقاً رغم صعوبة أن أفهم، وقتها، ما تعنيه "الاشتراكية الفابية".
صباح صاروخ الذي خدعني (مازحاً) بأنني سأبلغ القمر لو تسلقت بيديّ وقدميّ هذا الشعاع الفضي الذي يدخل عبر الرازونة إلى غرفة الطين.
ب. ع. ي تلك المسيحية الرائعة كانت تكبرني بخمسة عشر عاما والتي قبلت دعوتي لحضور فيلم "حلم الملوك" إخراج دانيال مان وبطولة إيرينا باباس وأنتوني كوين ولم أفهم منه شيئاً لأنني كنت منهمكا في تدبير مؤامرة خطيرة: أن ألمس يدها في الظلام... أعني ب. ع. ي لا إيرينا باباس.
بهلول حسن ، زميل مقعدي بعضلاته المفتولة والمعقودة فهو مواظب يومي على تمارين بناء الأجسام (أجهز على عشرين صمونة حارة من فم الفرن مباشرة) ومفوض الشرطة الشاب محسن ريكان المتواطئ معنا باحتراس شديد ونحن نتداول أسئلة الطبقات والعدالة والحلم الممنوع.. أعارني ابن ريكان بدلته الجديدة لأنني سأشارك في أول مهرجان شعري سيقام في قاعة الجامعة المستنصرية عام 1971.
سلام جاسم ، أول من عرّفني بجون شتاينبك في "عناقيد الغضب" وبعده جان بول سارتر في "الجدار" التي جعلتني أشعر بـ "الغثيان".. سلام أعد محاضرة نقدية طريفة في درس التربية الفنية بالمعهد بإشراف أستاذنا الفنان ماهود أحمد عن "أغلفة الكتب الأدبية" دعّمها سلام بأكثر من أربعين غلافاً انتزعها من مكتبته الشخصية وهو يتحدث أمام نحو المئة طالب من طلاب المعهد مثل أكاديمي ضليع.. قُتل سلام، كجندي مكلف في جيش الحكومة المتورطة في كردستان، بعد التخرج، في أحد سفوح عقرة.
أمي، طبعاً، التي أنبتني بشدة على "معاقرة" الكتب ولم أعبأ بتأنيبها المخلص لأعيش حماراً سعيداً.
الرفيق كاظم ... الذي يفترض أن يكون أول من "تسلّمني" بموجب "كلمة سر" لكن عملية التسلم والتسليم فشلت لأننا نسينا، نحن الاثنين، تلك الكلمة فتكرر الموعد بعد أيام ليزج بي "مرشحاً" لأول "خلية" أبالسة يحلمون بتغيير العالم، بدءاً من مدينة الثورة، لكن المهمة لم تنجح حيث العالم ينحدر إلى أسوأ حالاته وما يزال.
تغيرت الأحوال واستبدل الوطن بالمنفى وثمة أصدقاء جدد وكتب جديدة ونساء جديدات (حيث لا حب يدوم إلى الأبد).. لكن لا أم جديدة.
كل بلاد وطن عندما تعرف كيف تكتشفها وتقيم فيها وتعيد اكتشاف نفسك.
كل كتاب له لون وطعم ورائحة.
كل صديق له لون وطعم ورائحة.
كل امرأة لها لون وطعم ورائحة.
وتستمر الحياة حتى الموت وسيأتي من بعدي صديق يقف وحده في ساحة أيامه، يخوض حوارات معقدة مع نفسه بلا طائل ويستدعي أصدقاءه الميامين الذين سأكون أحدهم... ربما!.
وحدي في ساحة أيّامي
[post-views]
نشر في: 14 سبتمبر, 2015: 09:01 م