قبل سنتين أقيم في فرع متحف الحرب الامبراطوري (Imperial War Museum) في مدينة مانتشستر البريطانية معرض باسم "الفن المعاصر والحرب"، تضمّن صورة يظهر فيها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير وهو يلتقط بنفسه لنفسه صورة "سيلفي" بواسطة تلفون محمول، بدا فيها مبتهجاً للغاية، فيما ظهرت خلفه كتلة هائلة من النار والدخان في منطقة صحراوية.
لم تكن الصورة حقيقية، فهي مركّبة بواسطة تقنية "فوتوشوب"، وقام بعملية التركيب فنانان معروفان هما بيتر كنارد وكات فيليبس، والغاية معلومة.. انها تناظر غاية رسام الكاريكاتير عندما يمارس النقد في حق السياسيين.. رسالة الفنانين كنارد وفيليبس هي لوم بلير عن قراره قبل عشر سنين بخوض الحرب إلى جانب الولايات المتحدة في العراق العام 2003 لاسقاط نظام صدام حسين.
الصورة ذاتها نشرتها صحيفة "ذي غارديان" في 15 تشرين الاول 2013 ضمن مقال عن المعرض كتبه المحرر الفني للصحيفة جونثان جونز.
المهم أن بلير الذي كان قد ترأس الحكومة البريطانية أكثر من عشر سنين (1997 – 2007) لم يعترض أو يحتج أو حتى يعلق على الصورة أو على عرضها في المتحف الامبراطوري أو على نشرها والتعليق عليها بمقال مسهب في واحدة من الصحف الأشهر والأكثر نفوذاً في بريطانيا. وبالتأكيد ما كان موقف بلير سيتغير لو كان المعرض قد أقيم والمقال قد نُشر اثناء ما كان هو مقيماً في 10 داوننغ ستريت، بوصفه رئيسا للوزراء، فلطالما تعرض لانتقادات موجعة، ولم يتأثر.
بخلاف بلير تصرّف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ يومين، فعلى غرار "ذي غارديان" نشرت مجلة "نقطة" التركية صورة لأردوغان يلتقط لنفسه بنفسه صورة "سيلفي" وخلفه بدا نعش لجندي تركي قُتل في جنوب شرقي البلاد. وقد شرحت المجلة أنها استوحت عملها من العمل البريطاني الذي يعود تاريخه الى ما قبل سنتين. من الواضح ان المجلة التركية أرادت بهذا العمل الفني عكس الانتقادات التي يتعرض لها أردوغان هذه الايام، والتي تلومه عن سعيه لاستغلال العمليات العسكرية للجيش التركي والمواجهات المسلحة مع المقاتلين الكرد في حملة الانتخابات البرلمانية المبكرة الجارية الآن في تركيا، في سبيل الحصول على الاغلبية التي فشل حزبه "الحرية والعدالة" في بلوغها خلال الانتخابات التي جرت منذ بضعة أشهر.
ماذا فعل أردوغان؟... قواته دهمت مقر المجلة في الليل ثم في الصباح وصادرت نسخ المجلة وسحبت النسخ الموزعة في السوق، ثم عادت عصراً لتعتقل مدير تحرير المجلة، وتبع ذلك حجب موقع المجلة الإلكتروني، وتوجيه التهمة لها ليس فقط بـ "إهانة الرئيس" وإنما أيضاً بنشر "دعاية إرهابية"!.
هذه ليست المرة الأولى التي تتعامل معها قوات أردوغان مع الصحافة، فقد سجلت في السنوات الأخيرة حالات عدة من ملاحقة الصحف واضطهاد الصحفيين في تركيا بتهمة "إهانة الرئيس"، حتى أن عضو البرلمان التركي عن المعارضة الديمقراطية الاشتراكية انجين التاي قال ساخراً إن "انتقاد أردوغان أصبح الجريمة الأكثر خطورة في تركيا".
ومع ذلك لم يزل أردوغان يتحدث الى الأتراك والعالم عن الحرية والديمقراطية!
حرية وديمقراطية باللون الأردوغاني!
[post-views]
نشر في: 15 سبتمبر, 2015: 09:01 م