TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > العدالة الانتقالية في ظل سلطة قضائية مثلومة وقوانين نظام مستبد!

العدالة الانتقالية في ظل سلطة قضائية مثلومة وقوانين نظام مستبد!

نشر في: 15 سبتمبر, 2015: 09:01 م

كتب معلق حول "المصالحة على طريقة حوار الطرشان": كان من المهم الكتابة عن "العدالة الانتقالية" التي لا يمكن بدون ارساء اسسها القانونية تحقيق المصالحة الوطنية، أو الشروع بإجرائها، فالمصالحة بما هي عقدٌ بين طرفين أو أكثـر تتطلب قوانين تستند اليها وتحمي

كتب معلق حول "المصالحة على طريقة حوار الطرشان": كان من المهم الكتابة عن "العدالة الانتقالية" التي لا يمكن بدون ارساء اسسها القانونية تحقيق المصالحة الوطنية، أو الشروع بإجرائها، فالمصالحة بما هي عقدٌ بين طرفين أو أكثـر تتطلب قوانين تستند اليها وتحميها، والا فإنها تظل مجرد محاولات لا تحكمها ضوابط، أو ستجري في اطار اعرافٍ عشائرية أو ما يشببهها من أحكام قد تكون هي من أسباب الخصومة.

وما جرى في العراق على مدى بضعة عقود لم يكن خصومة عشائرية أو طائفية، كما انه لم يجرِ بين أحزابٍ وقوى، مع انه تناول العلاقة في ما بين بعضها والبعض الآخر، كأجزاء حيوية من المجتمع العراقي، بل ان ما جرى قد تشكّل في بنية الدولة والنظام السياسي المهيمن والسلطة المعبّرة عنهما، وخلق بيئة للخصومة في المجتمع وادوات لإثارة الانقسام والتنافر والخصومة داخل مكوناتها، واصبح هو وما يمثله أو تتمثل فيه من أفراد وجماعات، طرفاً في قمع كل من لم يكن منضوياً أو متوافقاً مع ما يجسده من استبدادٍ وثأرٍ وتصفياتٍ اتصفت في جوانب منها بطابع جرائم ضد الانسانية.

وكان من شأن هذه الآثار أن تنتقل الى ما بعد انهيار الدولة والنظام والسلطة السياسية التي خلقت بيئة الخصومة وكانت الطرف المباشر في إثارتها وتكريسها بقوانين وأطرٍ سياسية وأجهزة قمعٍ وتصفيات. وبطبيعة الحال فان النتائج التي ترتبت على ذلك، من ارتكاباتٍ وإحتقانٍ وعداواتٍ ونزوعٍ نحو الثأر، كان لها أن تتخذ مواجهة ضد جماعات وافرادٍ ومكون بعينه، بعد ان انهارت "الدولة والنظام والسلطة" وهي طرف الخصومة المباشرة مع الشعب ولم تعد قائمة.
والإشكالية التي تبرز في مثل هذه الحالة، تنعكس في البحث عن الخصم في فضاءٍ اجتماعي لا يتسع له قفص الاتهام ، وتصبح الشبهة بافتراض الولاء أو الانحياز أو المشاركة المباشرة بالجريمة "إدانة" لا تأخذ بالمعيار القانوني "المتهم بريءٌ حتى تثبت إدانته"، مما يهدد باستهداف جماعي، وما يترتب على ذلك من عزلٍ واقصاء وتجريد من الحقوق.
حدث مثل هذا الاشكال في عراق ما بعد ٢٠٠٣، فالإرث الذي خلفته الدكتاتورية طبع المجتمع العراقي وترك فيه ندوباً وشروخاً ومظالم، أدت الى انبعاث استعدادٍ غير مسبوق للقصاص. ولم يكن النظام الجديد قد تشكّل، والفوضى السياسية والامنية والاجتماعية كانت تضرب اطنابها في كل اتجاه دون رادع، وادارة الاحتلال الضامنة للعهد الجديد وصاحبة الحق المطلق في ادارة شؤونه كانت تتخبط، فتعيد بناء الدولة الجديدة على فضلات النظام السابق وبادواته وقوانينه، وفقاً لما تراه يستجيب لمصالحها ويحقق اهدافها المباشرة، دون النظر لما ستؤدي اليه مستقبلاً من تشوهاتٍ وعواقب سياسية واجتماعية واخلاقية.
وفي تلك اللحظة الفارقة كانت الضرورة تستلزم الشروع بوضع الاسس اللازمة للعدالة الانتقالية، من قوانين ضامنة وأطرٍ سياسية باعتماد رصيد التجربة التاريخية التي تحققت في انظمة شبيهة، في جنوب افريقيا وبلدان المنظومة الاشتراكية وغيرها من الدول والشعوب التي تعرضت الى انقسامات حادة وعميقة نتيجة تسلط انظمة الاستبداد وفي مقدمتها "الأبارثيد" ، وهي تجربة غنية استطاعت أن ترسي أسس مصالحة وطنية "مجتمعية" وتصفي آثار الكراهية والثأر والاقصاء والاستئثار السياسي. 
ان ابرز خطيئة ارتكبتها ادارة بريمر المحتلة والحكومات المتعاقبة على السلطة السياسية في العراق، لا تنحصر في عدم توقفها امام ارساء اسس عدالة "قانونية وسياسية" انتقالية لمعالجة الآثار الاجرامية والتشوهات التي خلفها النظام الاستبدادي، لتنطلق منها مصالحة وطنية "مجتمعية" شاملة ، بل ان القوات الاميركية لوّحت منذ بدء عملياتها الحربية في العراق، بكوتشينة ورق تحمل صور وأسماء قادة النظام السابق باعتبارهم وحدهم المطلوبون للعدالة عن جرائم النظام كله. وبهذه الخطيئة كانت ادارة الاحتلال قد اعفت مئات المجرمين الذين تولوا التعذيب والقهر والقتل بأبشع الاساليب في اقبية الاجهزة الامنية والمخابراتية وفي صفوف المنظمات السرية التابعة لصدام وولديه واصهاره، وجعلت الضحايا يتلفتون حولهم بحثاً عن القصاص الذي كانوا ينتظرونه واذا به فقاعة تبددت مع كوتشينة قوات الاحتلال. ليس ذلك فحسب وانما عمد بريمر وادارته الى اعادة توظيف المئات من هؤلاء واعتمدتهم لاعادة بناء مؤسسات العراق الجديد، بما في ذلك الاجهزة الامنية والشرطة المحلية، كما صنوف القوات المسلحة، ومذّاك صار المواطنون يتعثرون بمعذبيهم في دوائر الامن والمخابرات، او عيون الاجهزة القمعية في الوزارات والدوائر الحكومية وقد لبسوا زي التقوى والايمان الكاذب و"التحوا" واصبحوا اسياداً في الدولة الجديدة، على ايديهم وبشهادتهم تجري المصادقة على معاملات ضحاياهم، ويعادون او تمنع عنهم العودة الى الوظائف واحتساب الخدمة والحقوق..؟
وهنا انهار الركن الآخر مما كان يُراد له أن يرسي أسس "العدالة الانتقالية".!
واليوم اذ تصبح العدالة الانتقالية مجرد استذكار ضاعت فرصته، يظل الناس في حالة تطلعٌ نافد الصبر، للبدء باصلاح القضاء وارساء اسس عدالة اجتماعية ومساواة امام القانون، عبر سلسلة من القوانين البديلة والغاء القوانين والقرارات والتدابير التي شرعها النظام الاستبدادي، لعل فيها ما يحقق ما فات من اسس للعدالة الانتقالية، لانجاز مصالحة وطنية شاملة تعيد الاعتبار للمواطنة الحرة وتتولى ترميم ما تخّرب من النسيج الاجتماعي الوطني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. جندي متقاعد

    الرفيق المناضل الامبريالي ...

  2. جندي متقاعد

    واهبي النعمة عليك لهم صحفهم الخاصة بهم لا يقرأون لك كما لا يقرأ لك من سواهم الا ما ندر فاغلق باب التعليق لا من معلق

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram