"الاوديسا العراقية" فيلم سمير جمال الدين وكما في فيلمه الذي طاف به المهرجانات السينمائية العالمية محققا الجوائز (انس بغداد) ، يتناول موضوع الشتات العراقي الذي اصبح ظاهرة ملحوظة خلال العقود الثلاثة الأخيرة .. في فيلمه هذا يستعرض تاريخ عائلته البغدادية ابتداءً من بداية القرن المنصرم من خلال الصور والوثيقة التي يبدو ان جهدا واضحا قد بذله في الحصول عليها ، وقد تطلب الفيلم منه ايضا ان يقطع السفر الى عواصم الشتات التي يتناثر فيها أفراد عائلته . وقد اعتمد تقنية الأبعاد الثلاثة في النسخة الإنكليزية للفيلم. وعلى الرغم من ان المخرج يسهب في استعراض تاريخ هذه العائلة بالصور الفوتغرافية ومراحل تاريخهم العائلي ، الا انه يقدم على خلفية ذلك كشفا في التاريخ العراقي المعاصر منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى سنوات قريبة خلت .. ويبدو الفيلم بهذه النوستالجيا ، وكأنه يرثي موت الطبقة الوسطى في العراق التي عانت الإقصاء والتهميش ابتداءً عبر اكثر من اربعة عقود من الزمن.
وعلى مدى 160 دقيقة ،وهي زمن الفيلم، نقف مع عائلة كان لها حضور اجتماعي وديني واضح على مدى عقود طويلة مثلما لها إسهامات في تاريخ بناء العراق وهي تستعرض الأسباب التي دفعتها لاختيار الهجرة عن البلد.
كأن مجمل ما انجزه سمير جمال الدين يلخصه في هذا الفيلم.. عن الماضي، ماضي العائلة، وماضي البلد، والذي لم يتبق منه سوى الذكريات.. هو من الطبقة الوسطى في العراق التي بدأت تتلقى الطعنات منذ منتصف القرن الماضي.
بعمر 6 سنوات وفي بداية الستينيات تهاجر به عائلة الى سويسرا.. ويصبح الوطن والاخرون مجرد ذكرى، سيسعى جاهدا وفي خمسة اعوام وهو الزمن الذي استغرقه ليصنع اوديسته، "كي يلم شتات عائلته، الصور والوثائق.. الابحار عبر العواصم للقاء شخصيات باجيال مختلفة، تتحدث عن الزمن العراقي.. عن الغربة وعذاباتها عن قمع الحكام.. عن الحياة البغدادية، موسكو، نيوزيلندا، ابو ظبي، باريس، بغداد.
عائلة بغدادية نموذج للمعاناة، ماذا يعني ان تتحدث عن عائلتك.. او ما الجديد ف ان تتحدث عن هذه العائلة.. ماذا يعني ماضي العائلة وجذورها وسفر الغربة والعذاب والشتات الذي عاشته .
كان يمكن ان يقع المخرج في اسر التقليدية، لولا الطريقة التي عالج بها الموضوع والتي سيلمسها المشاهد مع العبارة المتحركة على الشاشة بمصاحبة موسيقى عراقية، "لا يمكن ان يتشكل مستقبلك من دون ان تعرف ماضيك".يأخذنا المخرج الى الماضي بطريقته الصور الفوتوغرافية القديمة واللقطات الوثائقية، وكأننا نقرأ افكار هذه العائلة التي تتحدث عن الوجع العراقي وايضا عن احلامها ونتعرف على افراد العائلة: الجد الاكبر والعمة والاعمام وابنائهم.. في البداية يتناول سيرة الجد الاكبر ونسبه ودوره في النضال ضد البريطانيين، ثم يبدأ في بحث افراد الاسرة عن مناف آمنة بسبب الانقلابات المتتالية في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم وتسلط الدكتاتوريات، ويركز بعدها على حديث الاقارب وشهاداتهم مصحوبة بصور ولقطات سينمائية لم تعرض سابقا.
صور بالأبيض والأسود لعراق الخمسينات والسّتينات: نساء وطالبات بأزياء جميلة ، يبدو أنهن مُتحررات ومُبتهجات، في الوقت نفسه الفيلم يتضمّن أيضا صورا بالألوان للعراق المعاصر ، صور للموت والتفجيرات بالاحمر ونساء باللون الاسود يبكين ضحايا العنف المستمر.
يقول سمير :"ولكن كيف كان لي أن أتحدّث عن كل هذه الأمور دون رفع شعارات نسائية؟ لذلك فكّرت في تقديم أمي، وعمّاتي وخالاتي وكل هؤلاء الأقرباء من خلال تلك الصّور الجميلة من الأيام الخوالي. إن الحنين في فيلمي هو بمثابة سلاح ضدّ التعصّب. الحنين يُنقّـب في الذاكرة ليُظهر أنه كان مُمكنا لأديان وثقافات مختلفة العيش معا في نفس البلد. الحنين يّذكرنا بالإحترام الذي كان موجودا تُجاه النساء، وعاداتهن كإناث. لم يكن عليهن إخفاء جمالهن. أعتقد أن الصّور أقوى من أيّ كلام."
الفيلم اختير كافضل فيلم اسيوي في ابوظبي ، ورشحته سويسرا ليمثلها بالأوسكار كأفضل فيلم اجنبي.
الأوديسا العراقية في رثاء الطبقة الوسطى
نشر في: 16 سبتمبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)