اتصل بي صديق حبيب ليخبرني انه وصل سالما الى فيينا. ثم ذكر لي انه ليس بمفرده، لان صديقا مشتركا اخر رآه بالصدفة، قد وصل لتوه الى العاصمة النمساوية كذلك. انتقل الهاتف الى صاحبنا الذي كنت رأيته قبل خمسة ايام فقط في عنكاوة: معقولة؟ اجاب: نعم، خلال يومين ونصف وصلت بهدوء الى فيينا. مكانك خالي!
الشباب كما يبدو من كلامهم وما ينشرونه من فيديوهات على فيسبوك، لا يشعرون انهم في رحلة موت عبر البحر. خاصة حين يتعلق الامر بالعراقيين، اذ ان السوريين وهم اشقاء كرام، يمرون بظروف مالية اصعب. اصبحت القصة اشبه بالمغامرة التي تخلص المرء "من الملل والرتابة".
احد معارفي الشباب خاض مغامرات رهيبة حين تطوع في الحشد. ثم بعث برسالة تقول: مللت رائحة النفط في بيجي، سأبيع سيارتي السايبا الرديئة، واجرب مغامرات اوربا! هو الان في المانيا.
اما اخر الالغاز فهي ان السوريين يعتقدون ان المنطقة يجري افراغها من السنة عبر مخطط، لكي يصبح عدد الشيعة اكثر، في الهلال الممتد من سوريا الى البصرة. بينما يعتقد الشيعة انها مؤامرة على التشيع، كي يلقي مقاتلو الحشد سلاحهم ويفضلوا حياة اوربا!
وبينما يذهب مساكين المشرق نحو الغرب، فان الغرب يأتي الينا. واذا تطلب الامر من صاحبنا يومين كي يصل الى فيينا، فان الدب الروسي ظهر بلمح البصر حول اللاذقية، وجعل المراقبين يختصرون الامر بالقول: انه انتشار عسكري لم تقم به موسكو منذ ان تحركت لصالح مصر مطلع السبعينات، لكنها هذه المرة استخدمت اجواء طهران وبغداد نحو دمشق.
وهنا تتوالى الاحاجي: واشنطن تطلب من بغداد ان ترفض مرور طائرات موسكو. وبغداد ترد: لا نمتلك طائرات تكفي لمنع الروس! فتقول اميركا: يمكنكم ان تطلبوا من البنتاغون ان يفعل ذلك نيابة عن العراقيين. ثم.. لا جواب من بغداد، التي تتفاجأ بأن اهل موسكو وواشنطن وطهران، كلهم، متحمسون لدعم العراق، سواء وافق العراق او رفض.
الباحثون اهتموا خلال الساعات الماضية بتحليل موسع نشرته نيويورك تايمز حول الدور الروسي الجديد. واختتم بانتقاد غاضب وجهه السيناتور الشهير جون ماكين لادارة اوباما "التي لم تقم بما يجب لمواجهة روسيا". لكن ماكين حسبما تقول الصحيفة، لم يكن يمتلك تصورا محددا حول ما ينبغي لاميركا فعله الان، او هكذا احب ان يبدو امام محللي نيويورك!
وقد كنت مع سياسي طيب في نقاش متلفز قبل ساعات، لكنه زعل مني حين قلت: ان كثيرا من المضطربين عقليا يتسنمون مواقع حساسة جدا في الدولة، خلال لحظة مصيرية رهيبة. ولماذا تزعل ايها الطيب، دعك مني، فالعراق "في احسن حال". والطريق بين اوربا والشرق الاوسط، ذهابا وايابا، صار بفضل المضطربين عقليا، بلمح البصر.
الى فيينا بلمح البصر
[post-views]
نشر في: 16 سبتمبر, 2015: 09:01 م