المراقبون العرب لم يكونوا يصدقون طوال سنوات، ان في وسع النجف وممثلي الاعتدال الشيعي العراقي، اتخاذ موقف مستقل عن التصورات السياسية المعتمدة من قبل النظام السياسي الايراني. اما الان فقد بدأوا يصدقون ذلك جزئيا حين لاحظوا مؤشرات مهمة على تصادم الرؤيتين بين العقلانية العراقية، والاندفاع الذي تمثله بعض الاجنحة في ايران. غير ان المراقبين العرب بدأوا يرتكبون خطأ اخر، اذ راحوا يتساءلون عن موعد "المعركة الفاصلة" بين النجف وطهران! وعن الطرف الذي سينتصر في النهاية. وكأن منطقتنا محكومة بمعادلة "يا قاتل، يا مقتول".
ان العقل السائد في منطقتنا ينتظر نهايات حاسمة، بينما التقدم في فنون الادارة راح يطرح علينا سيناريوهات "التعايش" بين الاطراف المتصارعة، ووصولها الى صيغة لادارة الخلاف. وهناك فرصة اليوم لظهور حوار كبير بين النجف وطهران، يضع حدا لاندفاعات كثيرة اوصلتنا الى ما نحن فيه.
لا النجف يمكن ان تعتبر طهران عدوا، ولا طهران قادرة على تجاهل اهمية النجف لمجمل الوضع الاقليمي والدولي. لكنه تدافع بين تصورين سيأخذ وقتا طويلا، ويتطلب اختبارا لشجاعة الطرفين، ولن يسهل علينا تخمين نتائجه بعيدة المدى. غير ان نتائجه الواضحة هي ادراك واشنطن وطهران في وقت واحد، بان اقسى درجات الضعف التي تمر بها السياسة العراقية، لا تعني ان في وسع بضعة مجانين مغمورين، مدعومين من الشرق او من الغرب، ان يتحكموا بمصير البلاد. فزمان الانقلاب على الشرعية ولى، والحلول العتيقة المتمثلة بتغييرات سريعة لم تعد امرا مجديا.
وقد استخدمت لتوي تعبير "ادراك واشنطن وطهران" لهذه الحقيقة. وكنت اعني ان العرب لم يستوعبوا ما يكفي ما تريد النجف فعله بالشكل المطلوب حتى الان. ولذلك فانهم يطرحون اسئلة خاطئة. وبدل السؤال عن: من سينتصر، طهران ام النجف؟ كان لابد للعرب ان يسألوا: اذا كانت النجف تمثل لحظة عقلانية سياسية، واذا كان نهجها مفيدا في البدء بتهدئة الصراع الطائفي المتصاعد، ومع عجز الجميع عن دفع الفاتورة الغالية جدا للدم والانهيارات، فماذا يمكن للعرب ان يقدموا لمساعدة هذه العقلانية العراقية التي تواجه صعوبات فوق العادة؟
لا احسب ان العرب قادرون على صوغ سؤال جاد كهذا والتعامل معه في صدارة اولوياتهم، لكنهم في لحظة ما ينبغي ان يولوا اهتماما ويتدبروا بعمق في تحديات مشتركة بينهم وبين ما تمثله النجف من تصور سياسي مؤمن بالتسويات. وسننتظر وقتا طويلا حتى تلك اللحظة، لان العرب لم يفهموا النجف حتى الان، لانهم لم يتقربوا اليها بما يكفي بعد، ولم يحاولوا ازالة الحواجز بالمستوى المطلوب. ولا يزال معظم ما يقولونه عن شيعة العراق، مشوشا كثير الاخطاء ومحاطا بالمبالغات. وهذا التشويش يخلق ثقوبا في عقولنا تسيل منها الدماء والخسارات
النجف والعرب
[post-views]
نشر في: 19 سبتمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
لا ياستاذ سرمد ان زمن الانقلابات لم يكن قد ولى ولكنه تطور واصبح بصيغ اخرى وهذه الصيغة عن طريق الديمقراطية وبقوانين الانتخابات ا التي اخاتروها لتكون بديلا عن السلاح هل تستطيع ان تحصي لي عدد اعضاء البرلمان الذين جائوا عن طريق الانتخابات وعدد الذين جائوا عن