TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > تلك الأسطورة المتجددة.. قراءة في كتاب (أسرار أسمهان: المرأة، والحرب، والغناء)

تلك الأسطورة المتجددة.. قراءة في كتاب (أسرار أسمهان: المرأة، والحرب، والغناء)

نشر في: 9 يناير, 2010: 03:37 م

سعد محمد رحيمتغدو الكتابة عن سيرة امرأة ذات شهرة ومكانة، عاشت في مجتمع وزمن محافظين، مغرية. ويزداد الإغراء حين تكون تلك المرأة مطربة ذات صوت ساحر، تمردت على تقاليد أسرتها ومجتمعها من أجل فنها. ولكن أن تكتنف جوانب من حياتها الأسرار، وأن تشارك بجرأة نادرة في الحدث السياسي،
فعلاً لا قولاً، وأن تموت وهي في عز شبابها وعطائها الإبداعي، بطريقة مبهمة ومريبة، فإن شغف الكتابة عنها يبلغ أقصاه.تلك المرأة المطربة هي أسمهان، التي تنقلت بين الشام ومصر، في النصف الأول من القرن العشرين، وخاضت تجربتها/ معركتها الشخصية الاجتماعية والفنية، ومن ثم السياسية، بطريقة لافتة وصاخبة، متجاوزة مواضعات عصرها وظرفها وجنسها. ومحققة في غضون سنوات قليلة إنجازاً فنياً لا يُضاهى. وقد ولدت في الماء/ البحر يوم كانت عائلتها هاربة من الأناضول إلى بيروت، حتى كاد والدها يطلق عليها اسم ( حربية ) لولا معارضة أمها التي اقترحت اسم (أمل). لتموت في الماء أيضاً (في قناة للري) بحادث سيارة، بين القاهرة ورأس البر، تماماً مثلما تنبأ لها عرّاف قبل ذلك بسنوات طويلة!.شغلت أسمهان ليس الوسط الفني فحسب، وإنما الجمهور كذلك. ومع تورطها في السياسة والحرب، وما أشيع عن تجسسها ومحاولاتها أن تكون عميلة مزدوجة بين  الإنكليز والألمان، ومع تمردها على تقاليد قومها وأسرتها ومجتمعها، أضحت ما يشبه الأسطورة في نظر الناس، ولا سيما بعد حادثة موتها الفاجع بحيثياتها الملتبسة. ولاشك في أن حياةً كتلك وموتاً كهذا، لابد من أن يستثيرا المخيلة، ولا بد من أن تُحبك عنهما وحولهما القصص، ولابد من أن يحاصرا بأمواج من الشائعات.صارت تلك الموهبة المبكرة، المشعّة المحلّقة موضع إطراء واسع، وإعجاب شديد، وحسد أيضاً، وريبة.. دخلت أسمهان ميدان فن الغناء بثقة وتفان وإصرار. وبدت للمهتمين والعارفين بأصول الطرب والمقامات، وقدرة الحنجرة البشرية على الأداء معجزة صغيرة تعد بمنجز هائل مع وجود ملحنين كبار (محمد القصبجي، ورياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، وشقيقها فريد الأطرش). وبمزاحمة صوت جبار ذي حضور طاغٍ (أم كلثوم).يحاول كتاب ( أسرار أسمهان: المرأة، والحرب، والغناء) لمؤلفتها الباحثة ( شريفة زهور.. ترجمة؛ عارف حديفة، ومن إصدارات دار المدى/ 2006 ) فك بعض الألغاز التي طبعت حياة أسمهان القصيرة والشاقة والمترعة بالإثارة والغموض. والتذكير بموهبتها وإبداعها الخلاق. ودورها في تحديث الغناء العربي.لمّا أراد صديقي الناقد السينمائي علاء المفرجي إعارتي هذا الكتاب، لاحظ ترددي في أخذه، فقال؛ هذا كتاب لا يشبه بقية كتب السيرة المكتوبة عن المطربين والمطربات العرب، اقرأه، ولاشك في أنك ستغير رأيك.. واكتشفت بعد قراءة بضع صفحات أن علاء كان على صواب.. هذا كتاب مختلف. يعطينا الكتاب، على الرغم من صغر حجمه، قدراً وفيراً من المعلومات في التاريخ الحديث وصراعات السياسة، والأنثربولوجيا (الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط) وفن الموسيقى والغناء والسينما. فها هنا نقرأ عن حياة أسمهان، ومن خلالها نقرأ عن حياة جيل ومجتمع. فأسمهان في هذا الكتاب موضوعة في سياق تاريخي، وتتحرك على خلفية أحداث سياسية واجتماعية وفنية.. وقد جاءت الفصول المكتوبة نتيجة بحث واستقصاء جادّين، ونظر موضوعي، وتحليل تاريخي وعلمي دقيق. وفي النهاية لم تتبجح الكاتبة ـ وهذا ما يُحسب لها ـ بأنها وصلت إلى اليقين النهائي، ولم تقل أنها فكت الألغاز المشتبكة مع تلك الحياة المائجة (حياة أسمهان). لقد ظلت الكاتبة تتحقق من الاحتمالات.. تطرح الادلة والقرائن، وتعود إلى الأرشيف والسير السابقة، وتستنطق أولئك الذين كانوا قريبين منها.. ترجِّح هذا الاحتمال على ذاك، وتقترب من الحقيقة أو تسعى إليها، لكنها لا تدّعي بأنها تعرف ما لا يعرفه حتى الشيطان (إذا ما استعرنا بتصرف مقطعاً من قصيدة لعبد الوهاب البياتي استشهدت به الكاتبة).تغدو الكتابة عن فنانة مثل أسمهان تورطاً في شبكة روايات، على حد تعبير حنا أردنت.. تقول المؤلفة: «والواضح هو أن أسمهان كانت مغنية عظيمة، إلاّ أن الدعاوى بأنها كانت أميرة، أو جاسوسة، أو خائنة، أو بطلة وطنية، أو امرأة خائبة العاطفة، يمكن بالنسبة إلى مجتمعها العربي أن تتعايش من غير معضلة. وحين كان يصعب التأكد من تفاصيل الماضي، كانت تُخترع أو تزخرف». والكتاب، عموماً، موجّه للقراء الغربيين، ومؤلف باللغة الإنكليزية. وغالباً ما تشير الكاتبة إلى البيئة الشرقية/ الشرق أوسطية ودورها في تحديد مسار حياة أسمهان وقدرها، ومن ثم في صياغة قصتها بتناقضاتها وملابساتها وخفاياها. وفي المقطع الآنف الذكر، المقتبس من الكتاب (كما في مقاطع عديدة أخرى تحفل بها الفصول، حيث تشير غالباً إلى البيئة العربية الأبوية الشرق أوسطية) نلحظ نوعاً من نبرة الاستعلاء والتمييز، وإن لم تكن حادة. وأكاد أقول؛ شيئاً من روح استشراقية، على الرغم من الأصل الشرقي العربي للمؤلفة (شريفة زهور؛ وهي أستاذة مختصة في أبحاث الشؤون الإسلامية والعالم العربي بمعهد الدراسات الإستراتيجية التابعة للجيش الأميركي). غير أنها، والحق يقال، متحررة من عوالق نظريات المؤامرة، وأيضاً مما تسميه هي بتحيزات الرجال في أثناء ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram