اشتُهر بـ (النشل ) وكان في كل مرة يقاد فيها الى السجن يعترف بالسرقة لحاجته الى المال لإنقاذ عائلته من الجوع ..دخل السجن عدة مرات وخرج منه بفضل قرار (العفو ) الذي كان يمنح للسجناء في السنوات السابقة ...قبل فترة ، قادته سرقة جديدة الى قاض للتحقيق كان يعرف بقصته فسأله ماالذي يمكن ان يثنيه عن السرقة يوما ما فقال له :" دعني ألتحق بسلك الشرطة !"....كان الامر مستحيلا من كل النواحي ..رسميا واجتماعيا وقانونيا لكن القاضي فكر مليا في الأمر فوجده ممكنا فعسى ان يسهم ذلك في اصلاح السارق الذي يصر في كل مرة انه يسرق لإطعام عائلته ....أقنع القاضي المسؤولين بضرورة إلحاق الرجل بسلك الشرطة ..بمرور الايام اشتهر اللص التائب بمواقفه البطولية في ملاحقة العصابات وإرشاد الشرطة للسارقين ، أما نهايته فكانت تحوله الى أشلاء في انفجار ارهابي وهو يؤدي واجبه الوطني ...
في مكان آخر ، تم القبض على عضو تنظيم القاعدة الذي قتل الابن الاصغر لأحد شيوخ محافظة الانبار وجلبوه له ليقرر كيف سيأخذ ثأره منه ..كان رد فعل الشيخ ان طلب من أتباعه بندقية فجلبوها له ظنا منهم انه سيقتله لكنه سلمها له طالبا منه ان يلتحق بصفوف رجال الصحوة التي تشكلت في ذلك الحين للقضاء على تنظيم القاعدة ..وبمرور الايام اصبح الارهابي السابق واحدا من أشجع رجال الصحوة وأقدرهم على اصطياد الارهابيين وكانت نهايته على ايديهم شهيدا وهو يدافع عن مدينته وابناء بلده ...
فيما أظن ، كان القاضي والشيخ على اختلاف مبادئهما وطوائفهما ينشدان الإصلاح الحقيقي وابتدء ذلك بإصلاح افراد من الشعب بأن منحوهما الفرصة للحياة الكريمة ..أقول هذا بعد استماعي لتصريح احد المسؤولين مؤخرا الذي يقول بأن الشعب هو الذي يجب عليه إصلاح نفسه وليس المسؤولين لأن الفساد ينخر الشعب الذي رضي بان يحكمه طاغية لعدة عقود ثم أقدم على انتخاب من يدرك جيدا انه لن يقدم له مايحلم به من تغيير ..هل فكر هذا المسؤول في كيفية إصلاح الشعب لنفسه وهو محكوم بمن لايمنحه الفرصة لأن يعيش حياة حرة وكريمة ..الفقر يعلم الانسان احيانا على الانحراف فقد يصبح سارقا ومرتشيا احيانا ، والظلم والقهريعلم الانسان على التحدي فيصبح قاتلا احيانا ...كيف يكون الاصلاح اذن ؟ومن اين يبدأ ؟..بالشعب ام بالمسؤول ؟ فاذا كان الشعب يمتلك عذرا في فساد مبادئه فالمسؤول لايمتلك هذا العذر ..يقول النبي محمد (ص): "صنفان إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس : الأمراء والعلماء " ، وشعبنا لم يجد حاكما يأخذ بيده لينقذه من الفساد ولاعالما افلح في حمايته من حكامه الفاسدين...
ويقول المفكر محمد عبده:" الفساد يهبط من اعلى الى ادنى ، والاصلاح يصعد من ادنى الى أعلى "ويعني بذلك ان المسؤول هو من يخوض غالبا في الفساد وينبغي اصلاحه وليس العكس..هي ليست قصة البيضة والدجاجة كما يتصور البعض بل ابسط من ذلك بكثير فاذا كان المسؤول قدوة للشعب وساعيا الى خدمته وتوفير كل مايجنبه الفساد فسيكون الشعب صالحا بالضرورة ...على مسؤولينا اذن ألا يطلقوا تصريحاتهم جزافا للتخلص من تبعة إرهاق شعبهم وان ينتبهوا الى حقيقة ان الشعب اذا سعى الى إصلاح المسؤولين فقد يتحول ذلك الى جهاد لأنه ربما سيكون الأمل الأخير للشعب ليحظى بحياة حرة وكريمة !!
قصة البيضة والدجاجة
[post-views]
نشر في: 21 سبتمبر, 2015: 09:01 م