في عقود سابقة ، كانت اجمل متعة للعيد في الأحياء السكنية ،الشعبية منها على الخصوص، هي الخروج الى اماكن مفتوحة لركوب الأراجيح المربوطة بين النخيل او دواليب الهواء الخشبية او العربات التي تجرها الخيول والتجوال بين الأحياء بينما يغني الاطفال (بالعربانة جابوج امينة ) ...كانت المتع بسيطة والادوات والوسائل ابسط لكنها كانت مصدر سعادة للاطفال مازالت عالقة في اذهاننا حتى الآن ...
اليوم ، وبعد ان ارتاد الاطفال مدنا للألعاب تتبارى في تقديم العاب حديثة وممتعة وتعرفوا على وسائل التكنولوجيا الحديثة وعرف البعض منهم كيف يعيش اطفال الدول الاخرى طفولتهم وكيف تتسابق دولهم لتقديم المتعة والفائدة لهم من خلال احدث انواع الالعاب وسبل الترفيه ، لم تعد جذوع النخيل او عربات الخيول القديمة تلبي رغباتهم ومطالبهم لكن ( الجود من الموجود ) كما يقول المثل الشعبي ، وحين لايتوفر أي شيء للطفل ليعيش طفولته ويمر به العيد كأي يوم عادي آخر ، يمكن ان يتحول خبر انشاء مدينة العاب شعبية من جذوع النخيل الميتة وركام النفايات الحديدية في قضاء سوق الشيوخ في محافظة ذي قار الى ظاهرة تستحق وقفة واهتماما اعلاميا ليس لكون الأهالي قدموا براءة اختراع في زمن اللاموجود ليخلقوا المتعة لاطفالهم فربطوا الحبال بين جذوع النخيل الميتة بفعل العطش المزمن في المنطقة ليحولوها الى أراجيح او يجمعوا الركام الحديدي من النفايات ليصنعوا لهم دواليب هواء والعابا اخرى مبتكرة . بل لأن مثل هذا الحدث لايتناسب مطلقا مع التقدم العلمي والتكنولوجي والحضاري في كل انحاء العالم فهو ليس عودة اختيارية الى التراث بل استعارة اجبارية منه لارضاء شوق الاطفال الى قضاء اوقات ممتعة خلال ايام العيد ...
يقول الاهالي انهم خاطبوا المسؤولين اكثر من مرة لغرض استغلال المساحات الفارغة في منطقتهم لانشاء مدينة العاب متواضعة للاطفال لكنهم لم يتلقوا ردا منهم رغم مايتردد يوميا في وسائل الاعلام عن انفاق ملايين الدولارات على مشاريع خدمية . وتمر الايام ويكتشف المواطنون ان المشاريع حبرعلى ورق وملايين الدولارات وجدت طريقها الى جيوب المسؤولين وارصدتهم في الخارج ...يقول الاهالي ايضا انهم تعمدوا اختيار هذه الطريقة ليشيروا الى ظاهرة التصحر التي بدأت تغزو المحافظات بسبب شحّ المياه والعطش والجفاف ..هي ليست عودة الى التراث فقط اذن بل الى زمن ماقبل استصلاح الاراضي وتحويل العراق الى بلد زراعي كان يتصدر قائمة الدول الزراعية قبل سنوات مضت والى دولة تشتهر باسم وادي الرافدين . فالنهران اللذان تغزل بهما الشعراء وارتوت بهما بساتين واراض زراعية واسعة اصبحا شحيحين بعطائهما وتضاءلت مياههما لاسباب سياسية ..
على اطفالنا ان يتعلموا في هذا الزمن المجدب ان يرضوا بالقليل لأن الكثير ليس ملكا لهم وان يتلذذوا بالعودة الى التراث ، فالحضارة لاتناسبهم وان يتقبلوا العيش في الخيام المهترئة فالسكن الآمن المستقر لايليق بهم وان يدرسوا في مدارس طينية ويجلسوا على الارض فالتقدم العلمي لن يفيدهم بشيء ..أما الاهالي فعليهم ان يواصلوا ابتكاراتهم ليخلقوا حياة جديدة مقتبسة من التراث وناشئة عن الحرمان وألا ينتظروا التفات المسؤولين لهم او حدوث فرق بسبب تغيير رئيس حكومة او وزير او امتلاء الشوارع بالتظاهرات فكل مايحدث في عالم السياسة لايعني المواطن الذي عليه منذ الآن ان يحل مشاكله بنفسه فحل المشكلة هو بايجاد من يستطيعون حلها كما يقول مورفي وليس بالحديث عنها فقط ...
عودة الى التراث
[post-views]
نشر في: 28 سبتمبر, 2015: 09:01 م