لماذا جازف الرسامون بتحدي الديكتاتورية في الستينات؟
"رُفع العلم، شاشة خفيفة من الجثث وتحتها أربع كلمات باللغة البرتغالية: كن خارجاً عن القانون.. (كن بطلاً او منشقاً عن القانون) ولكنه قبل ان يتمكن من ذلك، يجده رجال الشرطة ويعتقلونه، ويصبح بطل
لماذا جازف الرسامون بتحدي الديكتاتورية في الستينات؟
"رُفع العلم، شاشة خفيفة من الجثث وتحتها أربع كلمات باللغة البرتغالية: كن خارجاً عن القانون.. (كن بطلاً او منشقاً عن القانون) ولكنه قبل ان يتمكن من ذلك، يجده رجال الشرطة ويعتقلونه، ويصبح بطلاً.
وفي كل مكان من المعارض وفي الشوارع التي اصبحت مكاناً للتظاهرات التلقائية، او في الحفلات الموسيقية للقادمين من اماكن اخرى لتقديم الاغاني والموسيقى.
والولايات الامريكية المتحدة، عندما تعلن ان موسيقى "البوب" بدأت منها، قبل انتقالها الى المانيا، اليابان، هنغاريا والارجنتين. وقد انتشرت هذه الموسيقى في شتى انحاء العالم ولكن البرازيل كانت الاكثر اهتماماً بها من الجميع.
وكان انتقالها تلقائياً الى مظاهرات الشوارع التلقائية وفي الحفلات الموسيقية. وفي البرازيل في اعوام الستينات، كان الواحد يفضل ان يكون خارج القانون لا يعتبر إثما او إهمالا بل يعتبر شجاعة.
وفي هذا الاسبوع فتح كاليري "ثيت" عرضاً بعنوان "العالم ينطلق الى البوب" وهذا هو المعرض الثاني الذي يقام هذا العالم، للنظر الى "البوب"، وكان المعرض الاول قد طاف في عدد من المدن والولايات الامريكية المتحدة، وسيكون متحف دالاس للفنون في تشرين الاول القادم.
والمعرض المقام في "قاعة تيت" – لندن، يؤكد ان موسيقى البوب واغانيه لم يكن امريكياً تماماً فقد بدأ في بريطانيا وانتقل بعدئذ الى المانيا واليابان، هنغاريا والارجنتين، وكان البوب شيئاً تلقائياً، وليس حركة، وانتقل من بلد الى آخر متجاوزاً الحدود والبحار والمحيطات ايضاً.
وقد اجتازت البرازيل تغييرات كثيرة في اواخر الخمسينات من القرن الماضي، كما عانت ايضاً من حكومتها العسكرية التي رفعت شعار "تطور خمسين عاماً في خمسة اعوام"، وبدأت التغييرات الحضارية تدخل البرازيل وكذلك تشييد مدينة برازيليا، التي غدت العاصمة بعدئذ، وبدأت الفنون تنتقل اليها. وقد انتقلت موسيقى البوب في بادئ الأمر وتأثر بها البرازيليون وكان النجم البارز فيها، ليجيا كلارك، في اوائل تلك الاعوام، ثم جاء انتونيودياز ليصبح النجم الاول في تلك الاعوام.
وقد جاءت بعدئذ حكومة اقسى، تمنع الفرد من التعبير عن رأيه. وعانى في تلك الاعوام الكثيرون من الظلم والتعذيب في السجون. ومنهم الرئيس البرازيلي الحالي، ديلما روسيف، وكان من المقاتلين انذاك، وسجن وعذب ثلاثة اعوام. فاصبح "البوب" ليس اسلوباً بل وسيلة للمقاومة.
وفي الاعوام الاربعة الاولى بعد الانقلاب، تعامل النظام بلطف مع الفنانين، بشكل خاص، وكذلك الموسيقيين ورسم الفنان روبينز لوحات مدهشة، تعتمد على الصور التي تظهر في الصحف عن برازيليين يختفون بأمر السلطة ورسم الفنان هنريك امارال، تكوينا مكوناً من جنرال برازيلي لديه اربعة افواه، تقذف النجوم واجزاء من علم الولايات المتحدة.
وقد رسم الفنانون، لوحات تعبر عن التدخل الامريكي في شؤون البلاد. وكان الرسامون الفرنسيون يرسمون لوحات ملّونة لماوتسي تونك وميكي ماوس.
وادرك البرازيليون آنذاك، ان حكومتهم مدعومة من قبل الولايات المتحدة، ولذلك كانوا اكثر جرأة. وفي عام 1968 كانت هناك رقابة رسمية فتحت المجال نحو زنزانة التعذيب، وارسال عدد من الرسماين المعروفين الى المنفى.
وبشكل غير مشابه لفن البوب الامريكي . ففي البرازيل، تجد في نقابة الفن الشعبي نوعاً من التسلية في كل من المجالين الاجتماعي والسياسي. وتتذكر الرسامة آنا ماريا ميولينو. ان الامر في البوب الامريكي غير عادل، كونهم غير سياسيين، ومنهم آندي وارهول، او جيمس روزيتكويست ورسوماته عن الطائرات الامريكية المنطلقة لقصف فيتنام. اما في البرازيل فكان البوب اكثر قوة ما دفع النظام الى تشديد قبضته نحوهم.
وفي بعض الاحيان، لم يكن فن البوب مسلّيا بل على العكس، ومارسيللو نيتشة رسم العم سام في الجيش الامريكي ونقطة كبيرة من الدم تسقط منه.
وكذلك الامر مع الاوروبيين، إذ ان الرسامين الفرنسيين كانوا يرسمون بالالوان (التكني كلر) الامريكيين وكذلك ماو وميكي ماوس. وكان البرازيليون حقاً يعيشون في دولة تدعمها الولايات المتحدة وكانوا يتحدثون بما يشعرون به حقاً. وفي عام 1968 اصدر الحكم الديكتاتوري، القرار (5) والذي ينص على رقابة الدولة، مما فتح المجال امام غرفة التعذيب، وتم ببساطة وسهولة سجن المغنيات كيتانو فيلوسو وغيلبرت غيل، وعدد كبير من الرسامين ومن بينهم ديار غيل وماويليني وتم نفيهم خارج البلاد.
اما الاخرون فقد نزلوا الى الشوارع ورسم كل من نيلسون وفلافيو سلسلة من الاعلام الحريرية وعليها صور فقراء البلاد، وتم تعليقها في الشوارع.
وارغم النظام الحاكم الرسامين على إزالة تلك الاعلام، لانهما لم يحصلا على الموافقة من الحكومة. وفي شباط عام 1968، اتنشرت تلك الاعلام في ريو دي جانيرو وفي شباط 1968 اقترح كل من ليرنير وموتا، على رسم تشي غيفارا.
ولم يهتم الرسام البرازيلي بالعنف فقط، ذلك الذي يرونه على عتبات ابوابهم، بل الحرب ايضاً في فيتنام. إذ انها جذبت اهتمامهم ، وظهرت رسومات تشير الى ما يحدث هناك، إذ ان ما يحدث في الخارج يمكن ان يتحول الى أمر يعكس ايضاً ما يدور في بلادهم.
وفي مذكراته التي صدرت مؤخراً كتب الموسيقار والناشط السياسي كينانو فيلوسو: "كل شيء يمكن ان ينعكس في البلاد ويصور النظام الديكتاتوري ويوحد ما بين كافة الرسامين، ويدفعهم لاتخاذ موقف ضده. ولم يكن الامر ينعكس بقوة في الرسومات، بل في صالات العرض ايضاً، بل يحدث بقوة في الاندية الليلية"!
عن الاوبزرفر