حكوماتنا تعاملنا كالماشية، محكومون بالخوف، ولقد استسلمنا كثيراً للحرية التي حصلنا عليها، وقد حان الأمر لاستعادة ما فقدناه . نحن نتحدث باستمرار عن "حريتنا" ولكن ماذا نقصد بذلك؟ هناك أكثر من نوع واحد للحرية: "حرية الى وحرية منها" والانسان في حاجة الى "
حكوماتنا تعاملنا كالماشية، محكومون بالخوف، ولقد استسلمنا كثيراً للحرية التي حصلنا عليها، وقد حان الأمر لاستعادة ما فقدناه . نحن نتحدث باستمرار عن "حريتنا" ولكن ماذا نقصد بذلك؟ هناك أكثر من نوع واحد للحرية: "حرية الى وحرية منها" والانسان في حاجة الى "حرية الفعّالة"، وليس "الحرية من" اي في الحالة السلبية. وقد سئل ويليام بليك ايهما تفضل؟ القفص الآمن ام الخطير والوحشي؟ المريح ام الموحش؟ ان تكون إنسانا لك دوافع متعددة أم انساناً تسيطر عليه دوافع شتى ومختلفة : نحن نريد الاثنين ، ففي بعض الامور هناك رغبة بالمخاطرة والتي تؤدي الى عمل إجرامي وتخطي الحدود المألوفة، وفي احيان اخرى نفضل الرغبات التي تقودنا الى اعمال إجرامية او ربما في مرات اخرى تؤدي بنا الى السلامة والحكومات تعرف رغبتنا جيداً بالسلامة، ولكنها تحب اللعب مع الخوف الذي نحس به.
وكثيراً ما تقول لنا ان هذا القانون الجديد قد جاء لتوفير السلامة لكم، ونحن لسنا احراراً فالكثير منا يموت في حوادث التغييرات الجوية: عواصف وفيضانات او في خلال العواصف الثلجية ولكن الحكومة باي شكل وفي تلك الحالات تقلل من دورها، ويموت الكثيرون منا في حوادث السيارات ولكنها تعبر عن اسفها. وبعضنا يموت في الحمام بالانزلاق في حوض الغسل، كما حدث في فيلم "سايكو" لهتشوك.
وقد يكون السجن مكانا نوضع فيه، رحمة من الحكومة ! فهل نغير مجتمعنا باكمله تحت رحمة السلطات.
ونحن البشر نبحث عن الحدود ما بين الحرية وغير الحرية منذ وقت طويل. ولم يكن الخيار للحرية ليس السجن بل الموت، منذ وقت طويل.
وبعد حلول الزراعة، كان الحياد بديلا للحرية، ونوعا من العبودية. وكان في ذلك توفير الغذاء للاسرة كما انه قد يؤدي بك الى الثراء. وبعد مئات الاعوام وحتى العصر الحديث اصبحت الحرية وعكسها بنفس المعنى كما هو حالياً.
وبدأت الثورة الفرنسية بالحرية، المساواة والتآخي وكان ذلك يعني الحرية من الارستقراطيين، مع انها انتهت بعدئذ بالدموع، الاف الرؤوس قطعت ثم جاء نابليون.
ولكن ما ان امتلك بايرون الحرية كان الأمر عدم الارتداد نحو الخلف، الحرية هي فكرة جاءت لتبقى هنا ولكن بايرون نفسه فقد حياته وهو يقاتل، وان كان في سبيل حرية اليونان. ولكن "الحرية" كانت منقوشة على الرايات في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين. وتم تحرير "العبيد" من العبودية في جنوب امريكا وايضا تحرر الامريكيون الجنوبيون من الحكم الاسباني، وحرية الروس من القياصرة وتحرر المرأة من قوانين ضدها، واخيراً التحرر من النازية والشيوعية.
حرية للكتابة، حرية للطبع، حرية للكلام، وكل هذه الامور تحققت بعد نضال من اجلها، في عدد كبير من البلدان في العالم، واستشهد من اجلها العديد من الناس.
ومنذ انبثاق الصحافة الحرة، ومنذ تشكيل اول ظهور اول محكمة مستقلة، ومنذ ظهور اول كاتب مستقل، او مغني واول فنان، وتم سحقه، فلن يبقى من يدافع عنك، وإن كان لدينا شيء واحد يجب ان يعرف الآن، وهو الانظمة القاسية التي تعود الى منتصف القرن العشرين. ولكن كل هذا الأمر قد يبدو تقليداً قديماً ببعض الشيء، يعود الى منتصف القرن العشرين ووحشيته، والديكتاتوريين الذين كانوا يحكمون آنذاك، وبالاضافة الى المشاهد العسكرية الضخمة.
إن المواطنين يشاهدون الاساليب التي تتبعها الحكومات الغربية ويحاولون تقليدها. ونعلم ان قادتنا يطبقون وسائل الآخرين فهل ان نظام السجون قد جاء منهم إذ لم يعد هناك إصلاح للسجين، وليس هناك ايضاً مجال له لابداء ندمه، بل ان السجن يصبح مكانا لخلق مجرمين اشد إجراماً، وهذا ما يعتبره السجن امراً حسناً، لانفاق المال الزائد من دافعي الضرائب. وفي الولايات المتحدة الامريكية كان الرجل الاسود يمثل جنسه في سجون كندا. السنا قادرين على التفكير في اي شيء أكثر فاعلية واقل كلفة، مثل تعليم افضل وعمل خلاّق؟ مثل تعليم يفيد المرء في العديد من الحالات.
والتكنولوجيا الرقمية، جعلت معاملة الناس أكثر سهولة، وكأنهم حيوانات منزلية. وانك لم تعد قادراً على تأجير سيارة او غرفة في فندق او شراء اي شيء من دون بطاقة الائتمان. ويطلب منك باستمرار هذه البطاقة : بطاقة الامن الاجتماعي. وبطاقة الهوية، واالبطاقة الصحية ورخصة قيادة السيارة وبطاقة البنك وتحتاج الى كمية من "كلمات المرور".
أيهما سينقذ العالم – السياسة ام التكنولوجيا ؟
إذن ، ما العمل؟ ان معظم المواطنين سواء، ولكن البعض منهم قادرون على البقاء تحت الرادار بفضل عدم حصولهم على سجل رسمي – إما انهم مسحوا سجلاتهم او انهم قاموا بتغييرها، او انهم رفضوا منذ البداية الحصول عليها.
ان الغالبية منا ليسوا أحراراً، إن "حريتنا" محدودة بالنسبة الى الموافقة على... او الاشراف على بعض الفعاليات. وان "حريتنا" لا تجعلنا احراراً من عدد كبير من الامور والتي قد تقتلنا – في الحمّام مثلاً!
هناك التحرر من الفيضانات او الجفاف او المجاعة ! الحرية من السيارات السيئة، وحرية من الادوية السيئة التي يفرضها الاطباء علينا والتي تقتل مئات الالوف من الناس سنوياً. لا تشهق عندما تسمع بذلك! ومن خرافات ايسوب ما يخص الضفادع. لقد اخبروا الآلهة انهم يريدون ملكا، وارسلت الالهة اليهم تحت قطعة من الخشب، كي يكون حاكمهم. وطافت قطعة الخشب هنا وهناك، ولم تفعل شيئاً. وقد كانوا قانعين فترة من الوقت، لكنهم بدأوا بعد ذلك بالتذمر، لنهم يريدون ملكاً افضل. ولم ترضَ الالهة بذلك وارسلت اليهم اللقلق والذي اكلهم جميعاً.
ان مشكلتنا ان حكوماتنا الغربية، ليست راضية باستمرار من الملك الخشبي ومن الملك اللقلق، إنهم يؤكدون، وهم بارعون في هذا، على حريتهم في التجسس والسيطرة مع كونهم سيئين في منح المواطنين قدراً كبيراً من الحرية، كما كانوا سابقاً وهم جيدون في تعيين جواسيسهم وقوانينهم، ولكنهم غير قادرين على حمايتنا من نتائج اعمالهم.
وعلى الرغم من ان تكنولوجيتنا الرقمية ، قد جعلت الحياة افضل بالنسبة لنا. لقد آن وقت إسدال ستائرنا، نستثني المتطفلين ونستعيد فرديتنا.
عن الغارديان.