منذ ربيع عام 2003 والدولة تفقد هيبتها ويتلاشى مفهوم الدولة بالمعنى العام حتى أن البعض من المراقبين قالوا إن العراق يمر بمرحلة ما قبل الدولة. وحال البلاد هي اليوم في أسوأ بمختلف المعطيات، إذ من غير المعقول أن يتم تهديد اشهر جراحي البصرة مثلاً (الدكتور نزار المحفوظ) بالقتل ويكتب على واجهة منزله وعيادته عبارة (قاتل، مطلوب دم) ويصبح رهين داره يتوسل الناس في انقاذه دونما فعل فوري لحمايته. ولنفترض أن قيادة الشرطة أوقفت مفرزة أمام عيادته او رابطت أمام باب منزله أو تبرع أقوى شرطي باحتضانه ،ترى هل سيصبح المحفوظ بمنأى عن أحد؟
ما نسمعه ونقرأ عنه بخصوص التهديد بالقتل للخاصة والعامة على حدٍٍ سواء لم يفارق أسماعنا وأعيننا يوما واحداً في بغداد والبصرة وغالبية المدن العراقية. وعلينا أن نتصور حال أعضاء في كتلة المواطن بمجلس محافظة البصرة وهم يهددون بالقتل من داخل المجلس، إن لم يُصَوِتوا على قضية استجواب المحافظ ماجد النصراوي، حيث تلقوا التهديد هذا عبر هواتفهم النقالة! هل نقول بأن الحكومة بشكل عام تعدُّ مصدراً من مصادر القتل أو التهديد بالقتل؟ ألم نقل بأن العراق يمر بمرحلة ما قبل الدولة؟
فائض الحرية أو خلاصة الفوضى هو ما ينسب لنا من ديمقراطية، والعراقي في أي مكان، أكان مسؤولاً في الدولة أم شخصية عادية في المجتمع لا يملك أدنى الحق في العيش الآمن، إن كان مع السلطة أو جزءاً منها فهو مهدد من قبل غير المنتفعين منها، وإن كان معارضاً لأداء الحكومة فهو غير آمن من انتقام المنتفعين منها، إن كان غنيا بالمال الحلال او الحرام ويستقل السيارات الفارهة وحتى المصفحة فهو غير آمن من خصومه، وإن كان فقيرا يسلك الشارع حافيا او منتعلا التبليط فهو عرضة للشظايا الطائرة من المفخخات، وإن كان لا من هذه ولا من تلك فهو عرضة للسطو المسلح والخطف والابتزاز؟! أما الذين يعترضون على أداء الحكومة في ساحات التحرير فلهم الرصاص الحي والملاحقة في الأزقة المظلمة، ترى إلى أين يأخذ بنا هؤلاء الذين راهنوا على صبرنا ؟
هل نتحدث عن مرحلة ما بعد داعش إن أفلح التحالف الجديد في الانتصار عليه، هل سألنا انفسنا عن نوعية الصدور التي سيخترقها الرصاص الذي سيطيش هنا وهناك إن عاد (الثوار) إلى ثكناتهم وسط المدن؟ وبأية الأسلحة الثقيلة سيقوم (ثوار) العشائر المتنازعين بقطع الطريق بين بغداد والبصرة وقد تجاوزت جاموسة صكبان آل ... على جيحة ماء طكعان آل ... هل سألنا أنفسنا - أقصد هل وضعنا الخطة – لاستيعاب المرحلة المرعبة القادمة أم أن الأطنان من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة ستضاف إلى أطنان الاسلحة التي يمتلكها رجال العشائر هذه ليصبح تهديد الطبيب والمهندس ورجل الأعمال والاستاذ الجامعي بالهاونات والمدافع الرشاشة هذه المرة؟!
فائض الحرية.. خلاصة الفوضى
نشر في: 29 سبتمبر, 2015: 09:01 م