لطفية الدليميسألت ريتا جيبرت الشاعر بابلو نيرودا في حوار نشر على صفحات (ذي باريس ريفيو) في السبعينيات:- إذا كان عليك الاختيار بين رئاسة تشيلي وجائزة نوبل التي رشحت لها مرارا، فأيهما تختار؟
قال نيرودا: لن يكون القرار موضع تساؤل بين مثل هذه الأمور الخادعة، وتعيد عليه ريتا السؤال بصيغة أخرى: ولكن إن وضعوا الرئاسة والجائزة هنا أمامك على الطاولة؟ يرد نيرودا بحزم: إذا وضعتا هنا أمامي على الطاولة سأذهب وأجلس إلى طاولة أخرى..يحدث أن في ثقافتنا العربية المأزومة فخاخ ذوات أنياب فولاذية- تطبق على أخيلة الكتاب- أسمها الجوائز، ويحدث أيضا أن فخاخ الجوائز تستدرج الكبار والصغار الى مكيدتها الشهية، وتسحب المكيدة وراءها صفوفا من الطامعين والنمامين والغاضبين ممن لا يروق لهم فوز الآخرين، يحدث أيضا أن يتقاذف المتنافسون كرات النار فيحرقوا سفن اللياقة وتنحدر بهم المواقف الطفولية إلى مزالق أبعد ما تكون عن أخلاقيات المثقف وأقرب ما تكون إلى سلوكيات الحروب اليائسة، فيشهرون الأنياب والمخالب ويكشفون بدافع من المطامع- عن الجانب الوحشي من النفس البشرية ّ، ذلك الذي لم تهذبه التجربة الإبداعية ولا صقلته الحياة المدنية والإدعاءات الفكرية، فتكشف الجائزة عن حقيقة هذا الجانب وتعيد صاحبه إلى حومة الغاب وسلوكيات القنص والقتل.. يحدث كل عام ان تستفز الجوانب الشرسة في نفوس بعض الأدباء وهم إزاء تشهي الفوز و الظمأ البدائي للشهرة، وتحاط عملية التشهي الفادحة بأجواء من النميمة والشتيمة وتسقيط كل آخر، ويتم تبادل التصريحات بين الطامعين و المبعدين عن الترشيحات التي لا تقوم على أساس محددة او واضحة غالبا، فيكتب فلان عن أحقية فلان الفلاني بالترشيح بدلا من فلانة وفلان، وتنهال مقالات النميمة والتعليقات الجارحة وتشتعل حروب داحس والغبراء و تسقط معظم المجلات والصفحات الثقافية العربية في الفخ وتلعب على ثيمة الجائزة، فنحن شعوب لا نملك انشغالات ثقافية أو معرفية حقة ونبدو كأن جميع أزماتنا انتهت وما عاد لدينا ما ننشغل به إلا جائزة الرواية، الجائزة التي تشبه فتيل حرب ألقى به من وراء السور فأشعل بين المتنازعين صراعا ت تدوم إلى ما بعد إعلان النتائج – وكل نتيجة ستكون موضع تشكيك ونميمة هي الأخرى، ليس من أجل التقييم العادل أو أحقية الفوز، بل لتوجيه النقد الملغوم للفائز و لجان التحكيم المتورطة في القضية، وكأن هذه الجائزة أهم من معضلات الوجود أو أزمات المعرفة أوتردي الواقع المعيشي ومشكلات النشر وحقوق المؤلفين إزاء استبداد الناشرين، أما كان الأجدر بالأدباء أن يعيدوا النظر في ثقافة النميمة التي صارت بديلا عن ثقافة الحوار المفتوح وتبادل الخبرات؟ أما آن للمثقفين أن يترفعوا عن سجالات الدس الذاهبة إلى تسقيط كل آخر وتسفيهه؟ألا تشير هذه الجائحة التي أسقطت الكتّاب في سوء مواقفهم- إلى وجود أزمة ثقافية وأخلاقية مستحكمة؟ ألا يفصح هذا الكم الهائل من التعليقات السمجة والجارحة حول الجائزة- عن هشاشة الأدباء والتردي الروحي والخلل الفكري والسفه؟؟إن أزمة الأدباء المهمومين بالفوز هي نتاج أزمات مزمنة في مجتمعاتنا، فقد تحول الفعل الإبداعي لدى بعضهم الى نوع من الصفقة،وانجرف عدد كبير منهم في طوفان المزايدات والتصفيات الثأرية الخارجة عن السياقات الأخلاقية،فأربكوا بذلك على قرائهم ومتابعيهم الذين كانوا يعدونهم قادة الفكر ومنتجي الثقافة ورواد الإبداع وحماة القيم، فإذا بهم يروجون بأفعالهم لأخلاقيات النميمة التي تنتشر كالشرر في الهشيم، ليعمد بعض القراء ومن لا علاقة لهم بالثقافة- إلى الإدلاء بآراء وتعليقات مشينة حول الجوائز والأدباء والمحكمين الذين وضعوا أنفسهم في مرمى النيران بتصريحاتهم الانفعالية.وتعبر كاتبة- استبعد اسمها من القائمة الصغيرة- عن غضبها بالشتيمة!!ويعلن كاتب مشارك عن احتقاره للجائزة بكلام يكشف عن هشاشة روحية وخواء فكري.. ألم يكن نيرودا محقا في ترفعه على الجائزة وهو يجيب ريتا جيبرت: إن وضعوا الجائزة والرئاسة على الطاولة أمامي، سأذهب وأجلس إلى طاولة أخرى.
قال نيرودا: سأذهب وأجلس الى طاولة أخرى
نشر في: 9 يناير, 2010: 04:52 م