اخذتنا تجربة الفنان عماد عاشور الاخيرة الى فضاءات التأمل ، حيث الغور باسلوب جديد وطريقة اداء مغايرة لما قدمه سابقاً ، يضعنا امام مسؤولية فنية حذرة ، ذلك لأنه يريد ان يطلق سؤاله الفني إزاء ما جاء به من افكار جديدة ورؤى مختلفة ، ولعلنا ندرك انه كان اسي

اخذتنا تجربة الفنان عماد عاشور الاخيرة الى فضاءات التأمل ، حيث الغور باسلوب جديد وطريقة اداء مغايرة لما قدمه سابقاً ، يضعنا امام مسؤولية فنية حذرة ، ذلك لأنه يريد ان يطلق سؤاله الفني إزاء ما جاء به من افكار جديدة ورؤى مختلفة ، ولعلنا ندرك انه كان اسير طريقة الرسم التعبيري المجرد بتركيزه على الوجوه والأقنعة وإظهار المزيد من الثيمات الجمالية مع الاخذ بكل ادوات البناء الفني في (اللون والخامة "القماش" والكولاجات وبعض المركبات العجائنية ) ، شكل حينها نمطاً خاصاً به ، الأمر الذي جعل لوحته تنتمي الى اسلوبه من خلال النظر اليها .. الفنان ، افاض لنفسه أن يقدم لوحات جديدة باشتغالات مغايرة لأسلوبه السابق ، وقبل الدخول الى اعماله هذه ، نمسك بالسؤال الفني المباشر ، ما الدافع الذي جعل منه ان يعطي تجربة ذات ابعاد جمالية مختلفة ..؟!.. اعتقد ان التحول الجمالي عند كل فنان ينطوي على مرجعيات ثقافية/ فلسفية/ فكرية / جمالية .. ربما بعضها تأتي من صدمة وعي ، وهذا ما لمسناه في اعماله التي طرحها مؤخرا ..
انفتاح الثيمة الجمالية عند الفنان ، شكلت قراءة فائضة باتجاه واسع وبفضاءات كبيرة ، فبعد ان قرأ الوجوه في تجاربه السابقة التي عرضها داخل البلد وخارجه ، الآن جاء دور الجسد ليشكل عنده بنية فنية صريحة ، مع الأخذ ببعض الادوات المكرورة للرموز المثيولوجية والاجتماعية والعرفية، ..ما يمكن الامساك به في تجربة الفنان ، هو الغور بتجريدات ثيمية واضحة ، تلك التي مازجت بين الموضوعة المشتغل عليها (المضمون ) وبين الاشتغال اللّوني ، حيث التنوع البائن للاشكال المرسومة جاء بفعل التنوع للجسد الانثوي (بصراحته) وللثيمات الاخرى المجردة ، وهذا التنوع والانتقال له مرجعياته الفنية ، وقد وحدت كلّها في بوتقة الأداء اللّوني ، فالفنان حين يتمكن من تركيباته اللّونية ويجعلها حاضرة برؤيا ناضجة ، فإنها تعكس عن حضور بارز ومهم للجانب المناظر في الانشاء وفي قصدية البناء الفني ، وعماد عاشور أجاد في ذلك ، فكانت لوحاته بالشكل الذي اطلعنا عليه مكتملة الأبعاد ..اتجه مشروع عماد عاشور الأخير نحو صياغة تجربة تكشف عن قدوم مشروع تشكيلي مختلف من نواحٍ فنية/ تكنيكية ، حيث التراكيب العجائنية وطريقة توظيف الألوان ، اعطى معنى مفاده ان هناك قراءة تشكيلية فاتحة لما قدمه سابقاً ، في الحقيقة يجب ان نصارح الفنان امام جلّ ما قدمه من اعمال متنوعة في اشتغاله اللّوني (الزيتي/الاكرلك/الكولاجي) والتخطيطي ، أهي صدمة الخروج من نمط اشتغل عليه سابقاً في معارض شخصية وجماعية ، أم ان هناك محفزات ساهمت في انتاج اعمال تتمتع بما هو اكثر انفتاحاً من الاعمال السابقة .؟!.. ربما لأن الوعي ونضوج الذهنية والاطلاع العميق والمتواصل ساهمت بالنهوض لتقديم فن تشكيلي جديد ..
من جانب آخر ، استوقفتنا بعض الاعمال التي تتمتع باسلوب اللون الواحد ، واعني الاشتغال على المادة (الحبرية) ، تحتاج هذه الاعمال الى مهارة خاصة واسلوب مهاري دقيق ، الفنان اجاد في اعطاء روحية خاصة مشحونة بدلالات موضوعية راكزة ، فالجسد (كوحدة كاملة) يناظره شكل تجريدي آخر مفتوح الدلالات ، كان واضحاً وملموساً ، تمنيت لو يكون هذا الاشتغال لوحدة يركز عليه الفنان كمشروع له فضاءاته الخاصة ، رغم انه قدم العديد منه في معارضه الشخصية في السنوات الماضية ..
ككل ، فبعد معارض شخصية أقامها عماد عاشور داخل وخارج البلد ، يستعد الآن لأقامة معرضه الشخصي الخامس بعرض لوحات متنوعة في الاسلوب والمواد الفنية المشتغل بها ، وبعد ان زرناه في مرسمه الخاص شاهدنا عددا منها وكانت لنا وقفة لقراءتها.